هل من تفسير لتبنِّي أمريكا نشاط القاعدة على مدى سنوات طويلة في أفغانستان، ثم الإجهاز عليها بعد تفجيرات الحادي عشر في نيويورك؟ وكيف نفهم صمت أمريكا على تنامي دور داعش في سوريا، بينما سارعت بملاحقتها في العراق؟ ولماذا تطارد عناصر القاعدة في اليمن بطائراتها من دون طيار، ولا تفعل الشيء ذاته مع الحوثيين في اليمن؟ وكيف نبرر لها قبولها دخول حزب الله اللبناني إلى سوريا لمساندة نظام الأسد على البقاء أمام زحف الجيش السوري الحر لإسقاطه والامتناع عن دعم عناصر الجيش الحر؟
* * *
أضيف إلى هذا تساؤلات أخرى: هل من دولة أخرى تقع في الظل، لكنها تدعم بقوة هذا التوجه الأمريكي الكريه، كإيران مثلاً، لتناغم الموقف الإيراني مع الموقف الأمريكي في هذا الشأن، كما هو مشاهَد في أكثر من حالة؟ وما حجم ونوع هذا الدعم؟ وهل هناك من علاقة بما كان قد أطلقه الرئيس الأمريكي السابق بوش دبليو من التوجه الغربي نحو سياسة إطلاق الفوضى الخلاقة في المنطقة، ومن ثم رسم شرق أوسط جديد، يقوم على تفكيك دوله العربية الحالية وإقامتها على شكل كيانات صغيرة، تحمل رمزية الدولة؟ وهو ما يرشح صدق ما يُقال بأنّ ما يسمى بالربيع العربي قد مهد لذلك بكل ما حمله من فوضى وحروب أهلية وعدم استقرار إلى اليوم، وأنّ المسألة مسألة وقت ليس إلاّ.
* * *
ربما أن هذا - إن صح - هو التفكير الأمريكي الغبي الذي اعتقد أن عودة الاستعمار من جديد ممكنة في ظل تخطيط كهذا، فإذا به يهدد مصالح أمريكا ذاتها كما يصرح بذلك ساستها، بل إن مظاهر العنف هذه قد أثارت الخوف لدى كثير من دول العالم من أن يمتد ويتمدد؛ ويمس أمنها هي الأخرى؛ الأمر الذي يؤكد أن كبرياء أمريكا وسياساتها ومواقفها المترددة هي اليوم في امتحان عسير، إن لم تكن في مأزق لم تحسب حسابه من قبل؛ فقد استسلمت للموقف الروسي من الحرب في سوريا، وسلّمت العراق رهينة بأيدي الإيرانيين، وتسامحت مع وجود داعش في سوريا، وها هي تتجاهل إلى الآن دون اكتراث ما يمثله دور الحوثيين في عدم استقرار اليمن، ولاحقاً ربما الاستقرار في المنطقة.
* * *
لقد كان احتلال إسرائيل لفلسطين، وعدم انصياعها لقرارات الشرعية الدولية، مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا وروسيا، هو ما كان وحيداً يؤجج الحروب المتكررة في المنطقة. أما اليوم فقد اتسعت رقعة الصراعات، دون أن تكون هناك بوادر إرادة دولية للتدخل العادل لحماية الشعوب والدول من أي دولة معتدية أو داعمة للإرهاب بما فيها إسرائيل، حتى ولو كان هناك دول تمارس هذا الدور في الظل، طالما أنها تخالف بذلك بنود وقرارات المنظمة الدولية.
* * *
وحسبنا لكي لا يأتي مَن يتهمنا بالانقياد إلى ما يردده البعض عن مفهوم نظرية المؤامرة أن نشير إلى ما تتعرض له دول المنطقة وشعوبها حالياً من عدم استقرار، ومن حروب أهلية، ومن صراعات فيما بينها، مع إخلال بالمصالح العليا لها، ومرونة في قبول التدخل الخارجي في شأنها الداخلي؛ وهو ما يعني أنه لا يمكن لمنصف أمام هذه المشاهد وتلك الحقائق إلا أن يعترف بأن هناك مؤامرة كبيرة، تتبناها دول كبرى بدعم من دول وعناصر إقليمية، وبأكثر مما نراه الآن. وما على دولنا إلا أن تقوم بتحصين جبهتها الداخلية؛ فهي صمام الأمان للحيلولة دون تحقيق الأعداء أحلامهم المضرة بنا.