في إحدى المناسبات الرسمية لوزارة التعليم العالي وقفت أمام لوحة جمعت شـعارات جميع الجامعات السعوديَّة الحكومي منها والخاص، القديم والجديد أو ما تم الاتفاق على نعته بالناشئ.. حاولت التفرس فيما أرى من أشكال مختلفة ذات ألوان مُتعدِّدة.. بذلت جهدي أن أقرأ كل شعار لوحده.. بدأت باللون متسائلاً مع نفسي.. لماذا اختارت هذه الجامعة هذا اللون بالذات والأخرى ذلك اللون والثالثة والرابعة والخامسة؟، ما علاقة هذه الألوان بالمملكة العربيَّة السعوديَّة، أو المنطقة التي قد تتسمى بها الجامعة، أو حتَّى الجامعة ذات الهوية «الرؤية والرسالة والأهداف المحددة» التي نصت عليها وثائقها وأدلتها التعريفية، أو التَّعليم عمومًا والعالي منه على وجه الخصوص، أو... وانتقلت من الألوان إلى التصميم وعادت التساؤلات نفسها، ومنها حاولت أن أجد منظومة دلالية تجمع بين هذه الجامعات ذات العلاقة الوطيدة والرسالة المتماثلة أو حتَّى المتقاربة في بلادنا الغالية المملكة العربيَّة السعوديَّة.
لقد عجزت أن استخلص من بعض الشعارات دلالتها المتوخاة حتَّى ظننت أن بعضها لو لم يكن ضمن هذه المنظومة وعلى لوحة معروضة في محفل رسمي لتوهم المار أنه شعار لأيِّ شي إلا أن يكون شعارًا لجامعة.
لا أخفيكم القول إنني سألت البعض من منسوبي هذه الجامعات عن دلالة شعار جامعاتهم ولم أجد جوابًا شافيًا، جامعًا ومانعًا، ليس هذا فحسب، بل إن بعض الجامعات تتحاشى وضع شعارها على بعض أوراقها الرسمية لعدم مناسبته لحجم الورقة ولونها وإخراجها الفني، ولذا تلجأ إلى توظيف شعار مماثل يحاكي الشعار الأساس وبهذا يكون لها شعاران في آن واحد.
إن الشعار الذي يرتبط بهذا الكيان العلمي من الأَهمِّيّة بمكان، فهو ليس مُجرَّد شكل جامد لا ينطق بشيء كما يظن البعض وللأسف الشديد، بل هو كيان ناطق له دلالته العميقة ومنه وبه ترتسم في ذهنية الإنسان وترتبط هوية الجامعة ورسالتها وقد يأتي اليوم الذي يصبح هذا الشعار هو البصمة التي لا تحتاج إلى تعريف أو بيان، كما الحال في الجامعات العالميَّة العريقة التي صارت شعارات بعضها أشهر وأكثر حضورًا في المحافل الدوليَّة والمناسبات العالميَّة من أسمائها.
إن لجامعاتنا السعوديَّة ولله الحمد والمنَّة وبفضل الدعم الكبير الذي تتلقاه من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله ورعاه- ومشاركاتها الخارجيَّة وحضورها العالمي فضلاً عن المحلي والخليجي سواء من خلال المؤتمرات أو الندوات أو الدورات والمعارض وحلقات الدراسة والبحث، والشعار هو أكثر التصاقًا في الذهنية من أيّ شيء آخر يمكن أن تميز به هذه الجامعة عن غيرها، ولذلك ونحن نبدأ عامنا الجامعي الجديد أعتقد أن من الضروري على جامعاتنا خاصة الناشئة منها أن تكلف من ترى ليقرأ شعارها قراءة عميقة ويدرس رسالتها ورؤيتها وأهدافها ويعيد النظر مع الشركات العالميَّة ذات الصلة والاختصاص بهذا العمل الإعلامي المهم حتَّى يتم التَّوصُّل لشعار تاريخي يحاكي حقيقة هذا الكيان التَّعليم المهم ويكون العلامة الفارقة والبصمة المميزة التي تلتصق في الذاكرة ولا تزول.
صدقوني ليس ما أذكره من باب المبالغة أو حديث عارض عن أمر هامشي بل هو يعد في نظر المختصين ذا أهمية بالغة وأثرًا مباشرًا، ولذا تُعلن له المسابقات وتُعقد من أجله الاجتماعات واللقاءات وترصَّد له الأموال من قبل الإدارات والمؤسسات، وإن كان هذا أظهر وأوضح في القطاع الخاص ذي المنافسة الحرة في السابق فهو اليوم أكثر اتساعًا وأعظم أهمية وأشد إلحاحًا.. والجامعات السعوديَّة هي في حقيقتها تبحث عن قدم لها في سوق «منافسة كاملة» عالميَّة وتريد أن يعرفها الجميع سواء أكانوا في الصين أو اليابان أو كوريا أو بريطانيا أو إسبانيا أو أستراليا أو أمريكا أو... لغات مُتعدِّدة، ومشارب متباينة، واتجاهات مختلفة، واهتمامات وتخصصات وأهواء وسياسات متعارضة ومتقاطعة وقد تكون متماثلة ومتشابهة، والشعار هو اللغة العالميَّة المقروءة من الجميع ولذلك كان هذا الحديث.
لعل وزارة التَّعليم العالي وهي المبادرة دومًا والمرحبة بكلِّ اقتراح يضفي على ما تقوم به من إنجازات رائعة ومثمنة من قبل قيادتنا الرشيدة وكل مواطن منصف صادق مخلص.. أقول لعلها أن تعقد ورشة عمل لهذا الموضوع بالذات وتستمع لوجهة نظر قياديي هذه الجامعات ويكون التشاور والتحاور ومن ثمَّ الخلوص إلى رؤية واضحة ومحددة حيال التغيير أو التعديل أو المباركة والبقاء، وبحضور المختصين المبرزين في تصميم الشعارات وقراءتها، حتَّى يكون هناك نقلة نوعية في هذا الشكل الذي أشرت أعلاه إلى أهميته العالميَّة والتاريخية، مع أنني أعرف أن هذه الشعارات الحالية لم تأت باجتهاد شخصي فحسب بل من المفترض أن تكون خضعت للتمحيص والتدقيق والقراءة والمشاورة ومن ثمَّ الإقرار من مجلس الجامعة، ولكن ما زال عندي وربما مثلي كثير «في النَّفْس شيء من حتى»... دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.