* الريادة ليست بالأمر الهين فهي تحتاج إلى نوع من البشر لديهم روح المبادرة، وثقتهم بأنفسهم قوية، وعندهم نفاذ بصيرة وملَكة استبصار، قوية عزائمهم، وجلية قدرتهم على إقناع من حولهم، يقودون مجتمعهم إلى ما يعتقدون أنه هو الأفضل له في قادم الأيام.. ولذلك كانت العرب تختار الرائد الذي تُسند له مهمة البحث عن الأرض الطيبة المعشبة بعناية واهتمام، وله عندهم - كما تذكر المراجع والمصادر التاريخية واللغوية - مواصفات خاصة أهمها الفراسة والدراية والصدق، وعلى هذا الأساس قال قائلهم الحكمة المأثورة: «الرائد لا يكذب أهله».
* وإن كنت الريادة في جميع مجالات التنمية الوطنية المختلفة محل تقدير وإجلال من قِبل القادة والمخلصين والمتابعين لحركتنا النهضوية الراصدين لاتجاهات التغيير الإيجابي طبعاً، إلا أن ريادة تعليم الفتاة السعودية لها مزية خاصة حين عقد المقارنات وبيان المنجزات، ولذا كانت وما زالت من الأحداث المفصلية التي أثّرت بشكل مباشر وفعّال في مسارات التنمية المختلفة.
* لقد كانت الأستاذة: «موضي بنت إبراهيم السيف» - رحمها الله - من الرائدات الأوائل في هذا المجال التعلم والتعليم، بادرت وبتشجيع من والدها - رحمه الله - إلى الانتظام في المدارس النظامية منذ لحظة الميلاد، وتحدت الظروف التي كانت تقف عائقاً أمام بنات حواء لمواصلة تعليمهن حتى حصلت على شهادة معهد المعلمات المتوسطة بحائل - كما ذكر ذلك موثقاً المؤرخ والكاتب الصديق أحمد فهد العريفي في تغريدة له يوم وفاة «أم أشرف» منتصف الأسبوع الماضي - رحمها الله رحمة واسعة -، ومنذ تخرجت عام 1389 للهجرة وهي نذرت نفسها لخدمة التربية والتعليم وللعمل الاجتماعي الخيري التطوعي رغبة منها فيما عند الله أولاً، ثم خدمة للوطن، وطمعاً في تعزيز وجود المرأة العارفة المتعلمة المعلمة لبنات جنسها في حدود منطقتها التي عشقتها حتى النخاع، فهي - كما نقل لي زوجها الأستاذ: «محمد بن عبد الكريم السيف» الذي أسأل الله له ولأولادها وأحبابها وذويها الصبر والسلوان - هي الوحيدة التي استمرت من خريجات هذه الدفعة في قطاع التربية والتعليم، لتكون أول سعودية تتسنم منصب مدير مدرسة في المنطقة، تتلمذ على يدها أجيال من أخواتنا وبناتنا طوال ثلاثين عاماً أو يزيد.
* لقد كان لهذه النخبة أمثال الأستاذة: موضي السيف من بنات الوطن اللاتي بادرن لرسم خارطة طريق العلم وتحديد معالم المسير لمن بعدهن الفضل - بعد الله - في وصول الفتاة السعودية إلى سدة التميُّز والتفوق والتبحُّر في مختلف العلوم حتى صار من بينهن وفي زمن قصير الطبيبة والمهندسة والمعلمة المربية والمتخصصة في الطب النفسي والعلم الشرعي.
* إن هذه الرائدة وأمثالها في مناطق المملكة عدد محدود يمكن حصرهن من قبل فريق مختص من وزارة التربية والتعليم وتكريمهن بما يراه أصحاب القرار في وزارة التربية والتعليم، خصوصاً أن هذا الكيان التنموي العزيز يلج مرحلة من التاريخ جديدة عنوانها التميُّز، وشعارها الجدية، وهدفها الإنجاز والمبادرة والريادة والتجديد، كيف لا وهي تشرف بقيادة القائد الإداري المبرز الفذ صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل الذي عُرف عنه حب التميز، والسعي الفعلي الجاد للتغيير الإيجابي البنّاء، ودعم مسيرة العطاء والبناء لأبناء وبنات الوطن كل الوطن بلا استثناء، ولا أدل على ذلك من قوله لمنسوبي التربية إبان حفل معايدته لهم يوم الأحد الماضي: (... لا نريد أن نبدأ من مستوى العالم اليوم.. نريد أن نبدأ مما يخططون له.. نريد أن نكون مبادرين لا مقلدين.. لا نريد التقليد فلسنا صدى لأحد.. نريد أن نبدأ بما يلائم البلاد، فنحن أهل مبادرات عوّدنا عليها الرائد والمبدع عبد الله بن عبد العزيز).
* ولأنني ممن تشرف بالعمل في قطاع التربية والتعليم، ولمتابعتي لما يطرح بين الفينة والأخرى سواء عبر الصحف أو في الاجتماعات واللقاءات الرسمية والخاصة، ولما أعرف عن صاحب السمو وزير التربية والتعليم من ترحيب وتشجيع لطرح الأفكار والمقترحات، وتخليداً لذكرى هذه الرائدة ومن كان على شاكلتها فإنني أقترح تسمية إحدى مدارس البنات في منطقة حائل التعليمية باسمها، ولتكن تلك المدرسة التي بقيت مديرة فيها سنوات عمرها الوظيفي الطويل «الابتدائية الأولى للبنات»، خصوصاً أن من سُنن هذه البلاد المباركة، ومن العلامات الفارقة عند «خالد الفيصل» على وجه التحديد مكافأة المتميز وتشجيعه ودعمه وتخليد ذكره سواء أكان ذلك بتسمية شارع باسمه أو مكتبة أو قاعة أو مركز أو مدرسة للبنين أو... إلخ
شكراً سمو الوزير على سعة صدرك، وخطابات شكرك، وحسن تدبير أمرك، وعقدك وعزمك، ولك وللفريق الوزاري معك الدعاء الصادق بدوام التوفيق والسداد، ولأبي أشرف وأبناء وبنات وأهل الفقيدة العزاء والمواساة، ولكم أنتم جميعاً صادق الود، وكل عام وأنتم بخير وإلى لقاء والسلام.