كان الرومان قديماً يربطون الأحداث بالسلاسل وكانوا في البرازيل يصطادونهم كما يصطادون الفئران، ولم تكن هناك أماكن خاصة بالأحداث، بل كان يضعونهم في السجون مع المجرمين من الكبار والمجرمين العتاه.
وكانت نظرية (لامبروزو) السائدة في عالم الإجرام والمجرمين، والتي تقول بأنّ الشخص يولد مجرماً وان صفات الإجرام تبدو في بعض ملامح وجهه وجسمه، هي الأساس في ذلك العهد الذي يصنّف على أساسه المجرمون.
بعدها بدأ علماء الإجرام والخدمة الاجتماعية في أمريكا وأوروبا يضعون النظريات العلمية التي تعالج الانحراف عند الكبار والصغار.
ولما جاء العصر الحديث، بدأ المفكرون والباحثون الاجتماعيون يفسرون الانحراف السلوكي بأنه انحراف له دوافعه السلبية، ويضعون له العلاج بعد الدراسة الشاملة التي تشمل شخصية المنحرف وبيئته المحيطة به، ومن ثم تشخص المشكلة فالعلاج، ويفصلون بين المجرم العادي والحدث صغير السن سواء في الأحكام أم في الأماكن التي يحتجزون بها، وبناءً على ذلك ثم فصل الأحداث عن السجون ووضعهم في أماكن خاصة بهم بعيداً عن السجون والمساجين العاديين.
وكان هذا التغيير في المملكة في عام 1392هـ، حيث كنت في ذلك الوقت أخصائياً اجتماعياً في دار الملاحظة الاجتماعية بالرياض، والتي كانت قد أنشئت حديثاً، وقمنا بإخراج 17 سجيناً تحت سن الثامنة عشرة وإيداعهم في دار الملاحظة لرعاية الأحداث الجانحين وتقديم الرعاية لهم وهي أول دور الملاحظة الاجتماعية بالمملكة.
وكان الاهتمام بالأحداث الجانحين في ذلك الوقت كبيراً، حيث يتم عمل دراسة شاملة لهم وبحث اجتماعي مكتبي وميداني، يشمل المدرسة التي كان يدرس بها والمنزل الذي كان يعيش فيه والبيئة، للوصول إلى الأسباب الكامنة وراء اتجاهه للجنوح وارتكابه لتلك الجريمة، والتي تسمّى بالنسبة للحدث الجانح جنحة، ثم يتم تقديم التقرير للقاضي ومن ثم يتم رسم خطة كاملة لعلاجه.
أما الآن فيتم عمل بحث مكتبي فقط يقدم للقاضي وينظر في القضية ويحكم عليه إما بالسجن أو الجلد أو إطلاق سراحه، وبعد أن تنتهي المحكومية يتم تسليمه لولي أمره وبالتالي يعود لما كان عليه، لأنّ مشكلته لم تحل وخرج من الدار ومشكلته التي دخل بسببها لم تعالج وهكذا.
وعندما يعود للأعمال الجانحة ويُقبض عليه من سلطات الأمن، يعود مرة أخرى إلى دار الملاحظة وتتكرر المشكلة عدة مرات، وهكذا تتكرر حالات العودة لاسيما إذا احتك بغيره من منهم أكبر جنحة منه مما يساعد على عودته إذا لم تحل مشكلته.
والواقع أن المعالجة للحدث الجانح يجب أن تتم منذ دخوله لدار الملاحظة الاجتماعية في المرة الأولى، وعمل دراسة شاملة عن حالته وبحث اجتماعي يشمل المدرسة التي كان يدرس بها والمنزل الذي كان يعيش فيه وبيئته وتشخيص حالته، ومن ثم وضع خطة العلاج اللازمة التي تساعده على عدم تكرار العودة للدار مرة أخرى مع التركيز على البرامج العلاجية، لأنه مع الأسف البرامج التي تمارس في بعض الملاحظة تعتبر لتقضية الوقت وسد الفراغ، وهذا من الخطأ، لأنّ البرامج يجب أن يوضع لها خطة والهدف منها علاج الانحرافات السلوكية للأحداث داخل هذه الدور.
كما يجب أن تهيأ الأسرة لاستقباله بعد أن ينهي مدة العقوبة للجنوح مرة أخرى وارتكاب الجنح التي تعود عليها.
ويجب على الأسرة ألا تعامله على أنه إنسان فاشل، فيضطر إلى معاودة المشاكل ليهرب من الأسرة إلى دار الملاحظة مرة أخرى وهكذا.
والرعاية اللاحقة للمنحرف يجب أن تبدأ منذ دخول الحدث الدار حتى يكون هناك علاقة مهنية بين الحدث وبين أخصائي الرعاية اللاحقة وبين الأخصائي الاجتماعي والأسرة لأنها ضرورية، لأن أسباب الجنوح تكون مازالت موجودة في الغالب، لذا يجب عمل رعاية لاحقة للجانحين وعمل مراكز تدريبية لهم مع المراقبة المستمرة لهم لكي يتم التدخل في حالة رجوعه للمشاكل مرة أخرى، مع متابعة ذلك من قِبل المعنيين في الإدارات الإشرافية في الوزارة، ونذكر أن هناك أمراً سامياً كريماً بإنشاء إدارة عامة للرعاية اللاحقة صدر عام 1408هـ إن لم تخني الذاكرة، تهتم هذه الإدارة بمتابعة ورعاية خريجي إصلاحيات السجون ودور الأحداث الجانحين ومدمني المخدرات، ولكن يبدو أن هذه الإدارة لم تفعل من قِبل الوزارة.
ولا شك أن الدولة تهتم بجميع أبنائها، وتنفق الملايين من أجل إصلاح مثل هؤلاء المعرضين للجنوح والانحراف، الأمر يحتاج إلى وضع الترتيبات اللازمة لكي لا يعود هؤلاء الأحداث إلى الجنوح مرة أخرى فيتسببوا في جر الأذى على أنفسهم وعلى المجتمع الذي يعيشون فيه، ويكونون عالة على أنفسهم ومجتمعهم.