يُعَرّف العلماء جهاز المناعة بانه مجموعة من الخلايا والآليات داخل الكائن الحي مهمتها حمايته من الاعتلالات من خلال تحديد العوامل والخلايا والفيروسات الممرضة ثم القضاء عليها، ولفت المُخْتَصّون إلى أن سلالات من الفيروسات لها القدرة على الاحتفاظ ببعض قواها حتى إن في مقدور حمضها النووي المساعدة على ميلاد فيروسات جديدة تستنسخ بعضها، وهذا يذكرني بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى) [أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير]، ويستفاد منه أن المجتمع المسلم أحرى لأن يكون كجسد يعضد بعضه بعضاً، ومن ذلك أن تكون العقول المستنيرة التي نالت نصيباً من العلم في أي مجال هي القدوة للآخرين، تضيء دروب الأجيال حين تغشاهم عتمة الطريق، وأن تسعى لتحسس واقع المجتمع؛ فمتى شعرت أن عضواً مُعتلاً من شأنه الإخلال بتراتبية النسيج الاجتماعي وتراخي تماسكه تعمل دون توانٍ لإرشاده ومناصحته، وإن لم يَرشُد تُسارع لمحاصرته وردعه عن غيّه، هكذا هو نظام جهاز المناعة في جسم الكائن الحي، والمجتمعات كائنات حية لها قيمها ونظامها وأخلاقياتها وثقافاتها، والمجتمع المسلم استمد هذا الشرف من سنة الرسول الأعظم الذي لا ينطق عن الهوى، وهو الأجدر لأن يكون أنقى المجتمعات بما تَلقّاه من شرع حكيم، بدين قويم وسنة مطهرة، غير أن اللافت أن أقواماً يخالفون هذا النظام المناعي ويُخاتلون بني قومهم كما تُخاتل أعتى الفيروسات خلايا الجسم، ومنها ما هو كامن خامد عشرات السنين حتى يجد فرصة لضعف الجسد فيفتك به، وهؤلاء كذلك تحسبهم أمناء على مهنتهم ومجتمعهم لكنهم ما إن يجدوا فرصة للفساد لا يفوتونها لما تُكِنّه أنفسهم المريضة من فيروسات الزيغ التي تُغلّفها مظاهرهم المزخرفة، وينتفي عنصر المبالغة إذا ما تأملنا الأمثلة التي جرت أحداثها في الفترة القليلة الماضية، بل إن بعضها تم خلال رمضان المبارك وأيام العيد، فقد حددت المحكمة الجزائية والعامة بمكة المكرمة يوم 16 شوال جلسات التحقيق مع أكاديمي (خَبّبَ) مديرة مدرسة و وعدها بالزواج وحرّضها على خلع زوجها واحتال عليها بأن سلبها ملايين الريالات، اذاً قطبا القضية اكاديمي عليه أمانة تعليم طلاب الجامعة، ومديرة مدرسة متزوجة عليها أمانات عظام خانتها كافة، ومثال تناقلته الصحف مؤخراً مختصره: أه سيتم النظر في ملف قضية رشا نهاية شوال الحالي، يُتهم بها قياديون وموظفون بإحدى امانات المنطقة الغربية وعدد من ممثلي المؤسسات والشركات التي تتعامل بشكل مباشر في مشاريع الأمانة، فمن يؤمل منهم التفاني بالعمل على مصالح الناس هم من يقودون خلايا الفساد، وخبر مؤلم صاعق مفاده أن الجهات الأمنية ألقت القبض على رئيس سابق للنادي الأدبي بإحدى المناطق بعد أن استولى على ملايين الريالات من متعاملين زاعماً حصوله على دكتوراه في المحاماة والترافع في القضايا بالمحاكم، فهذا محسوب على قادة الرأي وأعمدة الثقافة ومنارات العلم ثم يقدم على هذا البهتان! ولست بحاجة بعد هذه الأمثلة للتذكير بما قبلها من تزوير للصكوك والاستيلاء ظلماً على ملايين الأمتار من الأراضي.