إن التطوع هو شريان الحياة الذي يحافظ على استمرار عمل الجمعيات الخيرية ويجعلها تؤدي الغرض الذي أنشئت من أجله لتحقيق أهدافها، وبدون المتطوعين سيتعذر على الجمعيات الخيرية أن تستمر في عملها، حيث إن تعيين موظفين برواتب سيجعلها غير مجدية وفي النهاية تتوقف عن العمل والعطاء،
فمن المغري للجمعيات الخيرية أن ينتسب إليها متطوعون على استعداد للتنازل عن وقتهم بدون مقابلٍ مالي، ولكن من الخطأ الاعتقاد أن المطلوب فقط هو متطوعون لإنجاز الأعمال الخيرية؛ فالعمل الخيري له مهام محددة لذلك يتطلب اختيار أفراد مدربين أو لديهم الاستعداد للتدريب لإنجاز المهام المسندة إليهم، كما يحتاج إلى أفراد لديهم القابلية والحماس لتبني مواقف الجمعيات الخيرية التي يتنسبون إليها وتبني معتقداتها التي غايتها تقديم الإحسان للمجتمع، والاعتبارات المالية للجمعيات الخيرية من العوامل المهمة التي تفسر اختيار وتجنيد المتطوعين، ولكن في الوقت نفسه من المهم إدراك أن الضرورة ستحتم دفع رواتب لبعض العاملين في الجمعيات مما يترتب عليه تفرقة بين المتطوعين الذين يمثلون العمود الفقري للجمعيات الخيرية وبين الموظفين بالأجر الذين يمثلون جزءاً أساسياً من تنظيم الجمعيات الخيرية، فصحيح أن المتطوعين يعملون في الجمعيات الخيرية من أجل الأجر والثواب، ولكن عندما يتضاءل لديهم الوازع الديني يلزم تعويضه بإرضاء أنفسهم على أعمالهم تجاه المجتمع أو الإحساس بالمساهمة الفاعلة في خدمة المجتمع أو بثناء المجتمع عليهم أو بالتدريب واكتساب الخبرات لتزكية مسيرتهم المهنية أو بالمكافأة المالية، وبالتالي يجب أن يكون هناك آلية تكفل قيمة الدور الذي يقوم به كل من المتطوعين والموظفين بالأجر من خلال تطوير العمل الخيرى إلى عمل مؤسسي، وهناك ثلاثة نماذج لمؤسسات العمل الخيري، النموذج الأول: الإحسان الفردي على الفقراء والمساكين عن طريق المنح المباشرة والذي يمارسه أغلب المسلمين سواءً بأنفسهم أو من خلال الجمعيات الخيرية التي تعتمد في أكثر أعمالها على المتطوعين، والنموذج الثاني: المؤسسات الخيرية التي يتم تمويلها من قبل أفراد ولكن يتم تحقيق أهدافها الخيرية بواسطة موظفين محترفين مثل مؤسسة سليمان الراجحي الخيرية، والنموذج الثالث: الإحسان الاستثماري الذي يقوم على الشراكة بين المحسنين من خلال ممارسة كل منهم دورين في المؤسسة، أحدهما: المساهمة في رأس المال المؤسس، والدور الآخر: ضمان كل مؤسس سداد قسط مالي محدد وبصفة دورية ثابتة طوال عمر المؤسسة، أي بمعنى آخر ستكون ميزانية تشغيل المؤسسة من الأقساط المالية المدفوعة بعد التأسيس مع إمكانية دخول مؤسسين جدد بحسب نظام المؤسسة طوال عمر المؤسسة، وذلك مثل مؤسسة بيل جيت الخيرية (أغنى رجل في العالم) مزوجته ميلاندا جيت، فمنذ تأسيسها تزايد عدد المشاركين إلى 1300 مساهم من كبار الأثرياء، وبلغت أوقاف المؤسسة اليوم 38 مليار دولار، ومن أهدافها داخل أمريكا التوسع في منح فرص التعليم العالي للشباب الأمريكي والمغتربين في أمريكا وتيسير طريق التخصص لهم في مجال تكنولوجيا المعلومات، ومن الأهداف العالمية للمؤسسة تحسين الرعاية الطبية وتقليص الفقر المدقع في العالم، وفي السعودية يمكن تطبيق نموذج الإحسان الاستثماري من خلال تأسيس مؤسسة خيرية قابضة طبقاً لأحكام الجمعيات والمؤسسات الخيرية الصادرة بقرار من مجلس الوزراء، وما أكثر الراغبين في المساهمة في العمل الخيري في السعودية التي عرف عن أهلها حب الخير والإحسان، ومن ثم تعمل المؤسسة وفق رؤية ورسالة، ومجلس أمناء، ولجنة تنفيذية، ونظام أساسي، ولجنة مراجعة، ولا يحق للمؤسسة جمع الصدقات العينية والتبرعات النقدية بأي حال من الأحوال، أو يفرض عليها تقديم مساعدات نقدية التي تدخل ضمن مسؤولية الضمان الاجتماعي، ويقتصر تمويل أهداف المؤسسة من الريع المحقق من الأوقاف التي تبنيها المؤسسة بواسطة الرأس المال المؤسس، فالتطوير الحديث الذي يعم مختلف مناحي الحياة، يجب أن يشمل العمل الخيري فيتطور من عمل فردي مانح للصدقات إلى عمل مؤسسي حديث. وخير مثال على العمل المؤسسي للخدمات الإنسانية؛ عمليات فصل التوائم السيامية التي اشتهرت بها السعودية ويرعاها خادم الحرمين الشريفين لمختلف أطفال العالم.
الخلاصة:
إن الإحسان الاستثماري هو عمل خيري مؤسسي يأخذ بمبدأ وتقنيات استثمار رأس المال وإدارة الأعمال لتحقيق ريع مالي لتمويل خدمات إنسانية تستهدف الشرائح والطبقات المهمشة في المجتمع والتي تعاني من العجز والمرض والفقر المدقع.