العدوان الإسرائيلي على غزة كان انتقاماً لمقتل المستوطنين اليهود الثلاثة على يد المقاومة الفلسطينية في شهر يونيه من العام الجاري 2014م، هكذا بررت الحكومة الإسرائيلية عدوانها الإرهابي، الذي لا يزال مستمراً بلون الدم ومشاهد القتل وصور التدمير الممنهج،
غير أن الحق أبلج، والحقيقة كالنهار لابد أن تظهر. فلقد قدم الصحافي كريستيان سيفرس تقريراً صحافياً احترافياً حول مقتل الشبان الثلاثة عبر برنامج (المجلة الدولية) في المحطة الألمانية الثانية، حيث أثبت من خلال ذلك التقرير أن قتل أولئك المستوطنين تم على أيدي إسرائيلية، وأن الفلسطينيين ليس لهم أدنى علاقة بها، فالتحريات التي عرضها التقرير كشفت أن حادثة القتل كانت جريمة مدنية، ارتكبها رجل إسرائيلي ضد مواطنيه بدوافع مادية قرب الخليل، حيث قام باختطاف الشبان الثلاثة، ثم قتلهم، وحرق السيارة التي كانت تقلهم لإخفاء معالم الجريمة، بل يذكر التقرير أن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشين بيت) على علم بتفاصيل الحادثة. غير أن حكومة نتنياهو فرضت حظراً تاماً على كل المعلومات الخاصة بها، وهذا يفسر عدم كشف التحقيقات الإسرائيلية عن أية معلومات عن هذه الحادثة، التي استغلتها الحكومة الإسرائيلية لتبرير العدوان على غزة وضرب المقاومة ومحاولة القضاء عليها.. وليس بسبب صواريخها (العبثية) كما توصف.
هذه المعلومات الخطيرة التي كشفها التقرير -إن صحت- تؤكد حقيقة ثابتة، وهي أن إسرائيل ليست بحاجة لمبررات موضوعية أو أعمال عدائية يمارسها الآخرون لكي تبدأ عدوانها في الوقت الذي تريد، وفي المكان الذي تحدده. أما إن استدعت الحاجة لذلك فإنها تلفق المبرر تحت مظلة الدعم الأميركي بشقيه السياسي والإعلامي، فواقعها قائم على التلفيق، ويكفي أن قيامها غير الشرعي كدولة سرطانية تأسس على تلفيق أكبر كذبة في التاريخ. لكنها في عدوانها المتكرر على الفلسطينيين منذ الانتفاضة الأولى العام 1987م، وتحديداً بعد انطلاق عملية ما تسمى السلام العام 1991م، فإنها تحاول أن تغلف كل عدوان بمبرر يلتقطه الإعلام الأميركي ويهتف به، وتدعمه الأنظمة الغربية، بحيث يُحدث صداه في عالمنا العربي اختلافاً وتبايناً في المواقف، بين من يحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة، وبين من يعتبر أن المقاومة تتاجر بدماء الفلسطينيين باستفزاز إسرائيل، وبين من يلتزم الحياد وكأن الأمر لا يعنيه. وهذا ما تريده إسرائيل بالضبط، وللأسف أن هذا ما حدث في عالمنا العربي، سواءً في الدوائر السياسية، أو على الميادين الإعلامية، أو في مواقع التواصل الاجتماعي.
بينما كان المطلوب أن تتحد الشعوب العربية وأنظمتها ومثقفوها على موقف واحد لا يناقش (النتيجة) إنما يبحث (السبب) ويركز عليه وهو الاحتلال. ولا يعطي العدو الصهيوني فرصة الاختراق الفكري للذاكرة العربية كي تنسى مجازر الصهاينة وتتصور أن السلام ممكن أن يتحقق.
بمعنى أن يتجاوز الجميع الموقف من (المقاومة) بغض النظر عن مكوناتها وفصائلها ومن يقودها، سواءً فتح أو حماس أو الجبهة الشعبية أو غيرها، إلى الموقف من (الاحتلال) باعتباره هو أساس العدوان. فالاحتلال هو سبب وجود المقاومة. فضلاً عن أن هذا الاحتلال البغيض الجاثم على أرض فلسطين منذ أكثر من 60 عاماً مارس ولازال يمارس كل أنواع الإرهاب الدولي والإجرام الدموي، الذي عرفته البشرية من قتل وسحق واعتقال وتعذيب وهدم البيوت على ساكنيها، حتى لم يسلم الأطفال الذين سقطوا بأعداد كبيرة ومشاهد مروعة في كل عدوان صهيوني، وخاصةً العدوان الحالي على غزة.. بل إن حكومات إسرائيل المتعاقبة قلبت طاولة مفاوضات ما يسمى السلام وتنكرت حتى للسلطة الفلسطينية، ومزقت كل الاتفاقيات بالاستيطان المستمر في الضفة والقدس، والحصار الجائر لقطاع غزة حتى جعلها (سجن كبير) كما وصفها بذلك وزير خارجية مملكة البحرين.
لهذا قبل أن تحكم على تصرفات المظلوم والمحاصر أو تنتقده، عليك أن تضع نفسك مكانه كما قال الدكتور فهد العرابي الحارثي، وألا تحكم عليه وفق معيشتك في أجواء طبيعية يسودها الأمن والترف والصحة. فالاحتلال الصهيوني سد عليه كل منافذ الحياة. وليس لديه إلا المقاومة التي هي الوسيلة الوحيدة لرفع معاناته ووقف البطش الإسرائيلي. وهذا سلوك كل حركات التحرر على مدار التاريخ، سواءً كانت مسلمة أو من أية ديانة أخرى. كما أن خلافك مع أخيك لا يبرر أن تقف مع عدوك.