المتمعن في بيان مجلس الوزراء السعودي، الذي عقد جلسته في قصر السلام بجدة، يوم الاثنين 18 شعبان 1435هـ (16 يونيه 2014م) برئاسة نائب خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد ووزير الدفاع -يحفظه الله-، يلحظ في الجزئية الخاصة بالأحداث الجارية في العراق، أن البيان السعودي قد حدد أسباب تلك الأحداث الملتهبة، وشدد على اعتبارات عراقية مهمة، وطرح مخرجاً واقعياُ للأزمة.
أهم سبب ذكره البيان أن سياسات الطائفية والإقصائية، هي التي أفضت إلى تلك الأحداث وانعكاساتها الخطيرة على الأمن الداخلي والاستقرار الاجتماعي، وأما الاعتبارات التي عناها البيان فتتعلق بسيادة العراق ووحدته وسلامة أراضيه، وضرورة المحافظة عليها، ولا يكون ذلك إلا برفض التدخل الخارجي في شئونه الداخلية، وأما المخرج من هذه الأزمة فيراها البيان بدعوة كافة أطياف الشعب العراقي إلى المشاركة الفعلية في تحديد مستقبل العراق، والإسراع في تشكيل حكومة وفاق وطني للعمل على إعادة الأمن والاستقرار، وتجنب السياسات القائمة على التأجيج المذهبي والطائفية البغيضة.
فلماذا جاءت ردة فعل نوري المالكي من خلال بيان مجلس الوزراء العراقي بتلك الحدة في التعبير والسلبية في المضمون والاتهام الباطل؟، وذلك باتهام المملكة أنها تدعم الجماعات الإرهابية، وأنها بموقفها من الأحداث العراقية الجارية كأنما تهادن الإرهاب، رغم أن مضامين البيان السعودي صحيحة وموضوعية، وتؤكدها الحقائق على أرض الواقع، ويشهد بها عقلاء العرب وشرفاء العالم.
كما أن هذه ليست المرة الأولى التي تقوم حكومة المالكي الطائفية بالتهجم على المملكة، واتهامها بما تعانيه هي ذاتها (رمتني بدائها وانسلت)، فقد سبق أن اتهم المالكي المملكة وقطر بالحرب ضد العراق، ودعم الإرهاب والقاعدة، خلال حديثة لقناة (فرانس 24) في شهر مارس الماضي. لكنه في حقيقة الأمر يعرف أن موقف المملكة تجاه الإرهاب واضح على مستوى العالم كوضوح الشمس، وهو موقف غير تقليدي يكتفي ببيانات الإدانة، إنما موقف مبدئي في رفض الإرهاب وكل تنظيماته، ومحاربة تمويله مهما كان مصدره، كما أنه موقف حضاري في رفض كل تبريراته، مهما كان الفاعل والمرتكب لأعمال الإرهاب.
كما يعرف المالكي من هي الحكومة التي ترسل الإرهابيين من أبنائها إلى سوريا للمشاركة في القتال تحت مزاعم حماية المراقد الشيعية، ومن هي الحكومة التي جعلت من مجالها الجوي جسراً لرجال الحرس الثوري الإيراني لتقديم كل أشكال الدعم لبشار وهو يقتل شعبه. في المقابل يعرف من هي الحكومة التي نجحت في محاربة الإرهاب بزمن قياسي وبشهادة الشعوب، ومن هي الحكومة التي منعت أبنائها وجرمت كل أشكال القتال في مواطن الصرعات والحروب، ومن هي الدولة التي جمعت دول العالم تحت مظلة مركز دولي لمكافحة الإرهاب.
هذه الحقائق وغيرها هي التي جعلت المالكي يطبق أسلوبين في التناول الإعلامي والتعامل السياسي مع الخارج، الأول (أكذب أكذب حتى يصدقك الناس)، والآخر (أن الهجوم خير وسيلة للدفاع). لذلك هاجم المملكة قبل ذلك، واتهمها دون أدنى بينة أو دليل، واليوم يمارس الكذب المستمر في محاولة يائسة لصرف الأنظار عن الحقيقة، التي تجرع مرارتها بما يجري في العراق، وكشفت أن السياسة التي انتهجها في إدارة شؤون بلاده خلال رئاسته الوزارية السابقة والحالية، أنها هي التي أودت بالعراق إلى مستنقع الدم، وجعلت مدنه المنكوبة ومحافظاته المظلومة بيئة خصبة للتنظيمات الإرهابية، فالتطرف يُولد التطرف، والإرهاب يُنتج الإرهاب، خصوصاً في ظل الرعاية الإيرانية لكل الممارسات القمعية، التي قام ويقوم بها المالكي ضد المجتمع السني من الشعب العراقي، فلقد كشفت الأحداث آلاف المساجين والمعتقلين، الذين تغص بهم السجون العراقية.
إن المالكي يُدرك تماماً حجم السعودية العالمي وثقلها الإقليمي ومكانتها العربية والإسلامية، وتأثير تصريحاتها وفاعلية مواقفها السياسية، ويعرف أن بيانها الرسمي مادة مطلوبة لكل وسائل الإعلام العالمية، لذلك أراد التشويش على مضامينه، كي لا يبلغ مداها في نشر الحقيقة، وفضح السياسات الطائفية والإقصائية القائمة في العراق، خاصةً أن البيان السعودي جعل حكومة المالكي ومن يدعمها في طهران بمواجهة حقيقية مع كافة أطياف الشعب العراقي، الذي ثار على الظلم والجور.
فضلاً عن أن البيان السعودي لم يتجاوز الأعراف الدبلوماسية، أو يتدخل في شئون العراق كما يزعم المالكي، وهو يعرف من يُدير حكومته من جهة الشرق الصفوي، إنما طرح البيان حلاً عقلانياً يُسهم في خروج العراق من أزمته قبل أن تتفاقم الأحداث على حساب المدنيين الأبرياء والعزل، وهو (حكومة وفاق وطني)، فلماذا يخاف المالكي من هذا الحل؟ لماذا يخاف من الوفاق؟ لماذا يخاف من الحلول السلمية؟. إجابة هذه الأسئلة هي التي جعلته يفقد صوابه.