على نحو متسارع برز التوتر في العلاقات الدبلوماسية بين الأردن والعراق، ووصلت درجة الاحتقان إلى الحدّ الذي استدعت فيه بغداد سفيرها في عمان جواد هادي عباس لـ»التشاور»، فيما أعلن ائتلاف دولة القانون (شيعي) الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، نوري المالكي، الاثنين الماضي، أن قطع العلاقات السياسيَّة والتجاريَّة مع الأردن «خيار مطروح» أمام الحكومة.
يأتي ذلك في أعقاب احتضان العاصمة الأردنية مؤتمرًا صحفيًّا ضم قيادات عشائرية وعسكرية بارزة في المعارضة العراقية، في الـ15 و16 من يوليو - تموز الجاري.
من جانبه، قال وزير الشؤون السياسيَّة والبرلمانية الأردني، خالد الكلالدة: إن بلاده «تنعم بقوانين ديمقراطية وعصرية، وليس ثمة ما يمنع وفق أحكام قانون الاجتماعات العامَّة أيّ مجاميع دخلت الأراضي الأردنية بطريقة شرعية أن تعقد اجتماعات وتنظم منتديات».
وفي تصريحات خاصة لوكالة الأناضول، نفى «الكلالدة»، «تقديم الأردن أيّ شكل من أشكال الدعم السياسي أو المادي للمؤتمر العراقي المذكور، أو أن يكون لدى بلاده رغبة في إطلاق إشارة البدء لتدويل الأزمة العراقية على غرار الائتلاف السوري المعارض المدعوم من الغرب».
وخلص اجتماع رموز المعارضة العراقية إلى رفض تقسيم العراق ودعم الثورة المسلحة، والتوافق على إسقاط رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، والتحضير لمؤتمر دولي بهدف كسب التأييد للثورة.
وأثار هذا الاجتماع حفيظة نوَّاب عراقيين مؤيدين للمالكي، حيث دعوا وفقًا لوسائل إعلام عراقية إلى تغيير نهج التعامل الدبلوماسي مع الأردن.
وشارك في المؤتمر مُمثِّلون عن «التيار السلفي» و»الإخوان المسلمين» و»المجلس السياسي للمقاومة العراقية» ومُمثِّلون لشيوخ العشائر عن سبع محافظات عراقية، إضافة إلى هيئة علماء المسلمين في العراق.
ولا يختلف الكاتب الصحفي العراقي، أحمد الأبيض (مقيم في الأردن)، مع الوزير الأردني، بشأن نوايا الأردن فيما يتعلّق بفرضية تدويل الأزمة مع العراق، بيد أنّه يبرر الغضب الرسمي العراقي المبالغ به حيال مؤتمر المعارضة، بـ»خشية نظام المالكي بالفعل من التدويل، أو أن يعقب هذا المؤتمر فعاليات لاحقة في دول غربية، تمهيدًا لتشكيل فريق حكم انتقالي تدعمه بعض الدول».
وفي حديث لوكالة الأناضول، قال «الأبيض»: إن ‹الأردن وإن لم يكن قد دعم بشكل مباشر مباحثات المعارضة العراقية السنية على أراضيه، فإنّه على الأقل لم يمنعها من الاجتماع نزولاً عند مقتضيات الهاجس الأمني المبرر بالنسبة لدولة مستقرة تحيطها النيران من الجهات الأربع».
وتابع الأبيض: «لا سيما في أعقاب الخطوة العراقية التي لم ترق للسلطات الأردنية، والمتمثلة بانسحاب الجيش العراقي من المناطق الحدودية مع الأردن (شرق البلاد)، وكشف خاصرته الشرقية للتنظيمات السلفية المتشددة، رغم علم حكومة المالكي بأن الجيش الأردني يرابط بكثافة على حدوده الشمالية، وهو الآن مضطر لحماية شريطه الحدودي مع العراق من طرف واحد أيْضًا، مع ما يمثله ذلك من ضغط كبير تنوؤ به دول كبرى».
واستبعد «الأبيض» إلغاء الاتفاقيات الاقتصاديَّة بين البلدين، لا سيما أن بعضها كخط النفط العراقي الناقل إلى العقبة الأردنية (جنوب)، يخدم مصلحة بلاده أيْضًا في تسويق نفطها.
يذكر أن أنبوب النفط العراقي-الأردني، هو مشروع قيد التنفيذ لنقل النفط الخام المُستخرج من حقول البصرة (جنوبي العراق) إلى مدينة العقبة (جنوبي الأردن)، ومن ثمَّ تصديره إلى أنحاء العالم.
إضافة إلى أنبوب آخر لنقل 100 مليون متر مكعب يوميًّا من الغاز، حيث سيقوم الأردن باستخدامه لإنتاج الكهرباء، ويُتوقَّع الانتهاء من تنفيذ المشروع في عام 2017، وتقدّر تكلفته بنحو 18 مليار دولار.
من جهته، يَرَى الكاتب الأردني، عريب الرنتاوي، أن «قرار الأردن باستضافة المؤتمر المذكور قطع الطريق أمام أحد أكبر المشروعات الإستراتيجية التي عوّل الأردن عليها لحلِّ مشكلتي الطاقة وعجز الخزينة، وهو أنبوب النفط العراقي».
وتابع الرنتاوي في تصريحات لوكالة الأناضول: «ليس المهم أن تقرَّر بغداد تصدير نفطها للأسواق العالميَّة عن طريق الأردن، المهم أن تقرَّر المحافظات السنيّة (العراقية) ذلك، ثمَّ إن الأنبوب لا يجلب نفعًا للأردن فحسب، بل ربَّما تكون لبغداد مصلحة أكبر فيه، ما يعني أن المجازفة في هذا المجال قد تكون محسوبة كذلك، وليست قفزة في الفراغ». ومضى قائلاً: «الأردن معني بنجاح (الخطة أ) في علاقاته مع العراق، والقائمة على أساس عراق موحد، وعلاقات جيدة مع مختلف المكونات». وعدّ «الرنتاوي» أنّه «بانعقاد مؤتمر المعارضة في عمان، يبدو أن الدبلوماسية الأردنية قد انتقلت إلى (الخطة ب)، التي لا تسقط الرهان على وحدة العراق، بيد أنها تراعي وفقًا لأحسن السيناريوهات، وحدة (فيدراليات)، وأن نصيب الأردن منها (الفيدرالية السنية) المجاورة لحدوده».
ويطالب عرب سنة في العراق بإنشاء إقليم سني يتمتع بحكم ذاتي على غرار إقليم شمال العراق الخاص بالأكراد. ويسمح الدستور العراقي بأن تتحول محافظة أو ثلاث محافظات إلى إقليم مستقل وفق آليات منصوص عليها في الدستور العراقي، لكن رئيس الوزراء المنتهية ولايته المالكي وقف بوجه جميع المحاولات لمحافظات جنوبية وشماليَّة للتحول إلى إقليم مستقل.