كنت في رحلة خارج الوطن وبعيداً عن الأخبار والإعلام حين تلقيت مكالمة هاتفية من الصديق الوفي الأستاذ حمد القاضي نعى فيه صديق الجميع الدكتور عبدالعزيز الخويطر - رحمه الله - وكم تتعثر الكلمات في التعبير عن الوفاء لنماذج عرفوا بخدمة وطنهم ومجتمعهم. وللخويطر جوانب كثيرة مضيئة، رغم أنه عرف على مستوى الإدارة بأنه رجل صارم ملتزم بتنفيذ الأنظمة ويصف البعض ذلك بالتعقيد، ولقد زاملت المرحوم في وزارة المعارف ثم في دارة الملك عبدالعزيز حينما كنت أعمل أميناً عاماً للدارة، وكان هو رئيس مجلس إدارتها لعدة سنوات، ومن خلال تعاملي معه في تلك الحقبة لم أجد منه ما يتحدث الناس عنه ولم أجد صعوبة في إقناعه؛ فقد كانت الروح السائدة بيننا تقوم على المحبة والنقاش قبولاً ورفضاً، وفي ختام كل لقاء ننطلق في نقاش تاريخي وأدبي وتراثي وما استجد من الكتب والمؤلفات، وهو يعد مؤرخاً وباحثاً وقد ألف مؤلفات كثيرة، ولقد كنت في زيارته منذ سنين حيث طلبت منه أن يكتب مقدمة لكتابي (رحلات ومشاهدات في الوطن العربي والأندلس) ولعلمي بمشاغله الكثيرة قلت له ما المدة الكافية فقال يأتيك الجواب غداً فتركت مسودة الكتاب وأنا أعرف مشاغله ومؤلفاته العديدة - وكنت أعجب من صبره وجلده ومن كونه يجد الوقت الكافي فظننت أن الكتاب سيأخذ وقتاً في قراءته وإذا به يفاجئني في الصباح قائلاً أراك غداً لاستلام المقدمة والكتاب مع جدول دقيق حافل بالملاحظات. لقد سجل - رحمه الله - في مؤلفاته كثيراً من العادات والتقاليد وسردها في كتبه بأسلوب قصصي شيق، ونشر الكثير من الكتب وحقق بعض الكتب، كما ألف كتاب (أي بني) في خمسة أجزاء واطلالة على التراث سبعة عشر جزءاً، وقراءة في ديوان محمد بن عثيمين وكتابه عن الظاهر بيبرس، وكذلك وسم على أديم الزمن، وما أجمل كتابه (هنيئاً لك السعادة)، وهو قراءة لكتاب الصديق الطيار عبدالله السعدون، وكان كما يقول مغموراً بالإعجاب بهذا الكتاب وبكاتبه ولعلي أرد الجميل لرب هذا السفر الثمين، وغير ذلك من المؤلفات التي كان يتحفنا بها ويهديها.
لقد كان - رحمه الله- قارئاً متميزاً يتجلى ذلك من خلال النقاش معه في كتب الأدب والتاريخ والتراث، ولقد كانت كتبه وتحقيقاته أصيلة يركز فيها على تاريخ المملكة وتراثها، إنها لسيرة حافلة عرفها الكثير من الناس، ولقد زرته قبيل دخوله المستشفى راجياً أن يكتب مقدمة لكتابي (رحلات ومشاهدات سائح في البلاد الأوروبية) وقد وعدني - رحمه الله - بعد خروجه من المستشفى، ولكم حزنت حينما جاءني نعيه فقد هزني من أعماق قلبي لكني حمدت الله عزَّ وجلَّ، فالمصاب كبير ولكنا جميعاً بالصبر أجدر، فالموت سنّة الله في خلقه، فالحياة كون يليه زوال، وإن لكل نفس أجلا موقوتا ولا نملك إلا أن نقول:
حكم المنية في البرية جاري
ما هذه الدنيا بدار قرار
طبعت على كدر وأنت تريدها
صفوا من الأقذاء والأكدار
نسأل الله لنا وله فسيح الجنان (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).