عدم تمكين أكثر من 30 عضوا من أعضاء مجلس الشورى في ممارسة حقهم القانوني والنظامي بإبداء مرئياتهم بمناقشة التوصية المقدمة من إحدى العضوات - مهما كانت تلك التوصية وموضوعها- ثم التصويت عليها بشكل منفرد، هو أمر غريب وملفت للنظر جملة وتفصيلا.
المعروف أن أبسط القواعد النظامية تتيح لجميع الأعضاء والعضوات إبداء مرئياتهم حول أي توصية جديدة، بحيث يتوافر وقت وحق لبحثها من جميع النواحي.
ومخالفة ذلك أو تجاهله هو وبلا شك تجاوز مكتمل الأركان لنظام مجلس الشورى في أبسط ممارسته، وأى قرار يصدر على هذا النحو من التجاهل يعد من الناحية التشريعية أو النظامية غير صحيح. وسابقة تستحق المتابعة والفحص والمراجعة والتصحيح..
وكيف إذا كان القرار الصادر على هذا النحو المربك والمخالف يناقض أصلا وفصلا نصوص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي تمت المصادقة عليها بمرسوم ملكي وقعه خادم الحرمين الشريفين، وهو المرسوم الأعلى في البلاد، والذي لا يمكن إلغاؤه أو تعديله بأى حال إلا بمرسوم قرار مماثل.
فالنظام التشريعي في المملكة يتدرج أولا من القواعد القانونية الصادرة بـ»أمر ملكي» مثل النظام الأساسي للحكم ونظام الشورى والمناطق. يليه في التراتبية القواعد القانونية الصادرة ب «مرسوم ملكي» وهي التي تصدر بها كافة الأنظمة غير الأساسية وتستخدم كذلك للمصادقة على الاتفاقيات الدولية (وهي المعنية هنا). وبعدهما بدرجة أقل القواعد القانونية الصادرة ب «قرار من مجلس الوزراء»، مثل بعض اللوائح التنفيذية. وأخيراً القواعد القانونية الصادرة ب «قرار وزاري» التي يصدرها أحد الوزراء في اختصاص وزارته.
من ذلك فإن قرار الشورى القائم على توصية إحدى العضوات التي تبنتها اللجنة الاقتصادية بحذف النص الوارد في خطة التنمية العاشرة والخاص بالمؤتمرات والاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة يعد قراراً غير نظامي، ويعرف ذلك أي شخص له إلمام «متواضع جدا» بالأنظمة والتشريعات في المملكة. بحسب مصادر قانونية.
والموضوع لم يتوقف على ذلك فقد أرسلت 30 عضوا من أعضاء مجلس الشورى خطابا إلى رئيس المجلس يعترضون فيه على توصية حذف «دعم الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة»، والتي تنص على (حذف البند الثامن من الهدف الثالث عشر الخاص بتمكين المرأة وزيادة إسهامها في مجالات التنمية المختلفة والذي ينص على «الاهتمام بالاتفاقيات الدولية والمؤتمرات التي تعني بشؤون المرأة»).
مشيرين في الخطاب وبوضوح إلى «أن التزامات المملكة الدولية بما فيها عضويتها في لجنة حقوق الإنسان والمجلس التنفيذي لمنظمة المرأة إضافة إلى توقيع خادم الحرمين الشريفين على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، مع الحفاظ على الحق السيادي للمملكة للتحفظ على ما يخالف الشريعة السمحاء. فللمملكة مبدأ عام فيما يتعلق بالاتفاقيات الدولية الحقوقية حيث إنها تتحفظ على أي نص يتعارض مع نصوص الشريعة وهو أمر مطبق ومعروف.»
هذه الحداثة الغريبة، تزيدنا إرباكا مع ما نقلته الصحف المحلية في السياق عن تلك الجلسة،حيث يشار إلى أنه وبـ «المصادفة» تعطلت أجهزة التصويت الخاصة بـ150 عضوا، ولم تعمل إلا لدى أمين عام المجلس، مع هذه التوصية ولم يفتح المجال لمناقشتها واكتفى بالتصويت عبر أجهزة متعطلة، دون نقاش تحت قبة مجلس «الشورى» المؤقر..!
فهل أصبح مجلس الشورى ضد المرأة، ونظامه أيضا...؟!