المشهد مرعب من سوريا إلى العراق، قتل وتهجير بالملايين، فوضى أسلحة وتنظيمات وتقاطعات خطرة، والمتورطين هما النظامين الحاكمين في دمشق وبغداد، حيث بشار الأسد القابض على السلطة بالدم، ونوري المالكي النسخة الأخرى والتي لا تقل سوأ، والعامل المشترك هو ما يسمى بـ»داعش»، الاسم المختصر لتنظيم دولة العراق والشام الإسلامية، والذي وضع أجندته الجغرافية سلفاً.
الموصل سقطت بمائة وخمسين سيارة، عليها نحو 800 مسلح، في مواجهة جيش المالكي والذي أنفق عليه مليار دولار، كما أن وزحف «داعش» السريع نحو بغداد يتواءم كما يقول معارضو المالكي مع غياب الإرادة السياسية والعسكرية الحقيقية لبتر التنظيم ميدانياً، قبل قطف ثمار المعركة السياسية وإقصاء المنافسين له، للقبض على السلطة ومفاصلها.
والأسد باقٍ في السلطة بحجة وحيدة هي مقاتلة الإرهابين الداعشين ومن في سياقهم؛ من المؤكد أنه لا بشار سوريا ولا مالكي العراق هما من صنعوا داعش أو ثقافتها الدموية الجهادية، لكنهما سهلا لها الكثير وتغاضا عن الكثير لتضخيم هذا الوحش الخطر الذي سيخرج عن سيطرتهما.
هناك اليوم من يركب هذه الموجة الداعشية كما ركب من قبل القاعدة، وتعقيد المصالح الجغرافية والسياسية والشعور بالغبن والفرصة في الوقت ذاته يقود اليوم تجمعات وأشخاصاً لهم أجندتهم الخاصة، ولهم رغبة في تغير الواقع من التحول إلى الدعم لمثل هذه التنظيمات.
إلا أننا يجب أن لا ننسى أو نتجاهل خطورة النوم مع الثعابين، أو الثقة فيها، هذه الثعابين الإرهابية بتطرفها لا يمكن لكائن من كان أن يأمن شرها. أو يضع لهم توقعات وتحالفات، دربها الطويل، وبقاؤها مرهون بحجم القتل الذي تنفذه، والدم الذي تسكبه من أجل الشيطان، والانتقام من كل شيء هو عقيدتها لصناعة أحلام مريضة قادمة من خارج الزمان والمكان.
ما يحدث مع داعش ومن في ركبها، والاحتفاء بما تفعله من مذابح وقتل جماعي، يجب أن يكون تحت السمع والنظر.. بل جرس إنذار على مدار الساعة، يجعلنا ننظر للفكر الداعشي أو القاعدي، أو سمه ما شئت، وهو يحاول السعي إلى إعادة إحياء تراثه المتطرف، لخدمة وترسيخ سلطة الجهل والتخلف.
وسيبقى دائماً الحل في التعليم لقيادة الوعي والتسامح، وخلق أجيال قادرة على أن تكون منيعة ومحصنة ضد الاختطاف والتشويه الديني، والانتقال إلى التطرف كجنود واتباع ودعاة له.
التطرف والتزمت لا حدود لهما، ومستقرهما وهدفهما النهائي هو إشاعة الخراب والفوضى في الأرض، والقتل دون تردد أو قانون، أنها فوضى عاصفة بحق، لا يمكن الحماية منها إلا عبر تأهيل أجيال سوية، عبر العلم والتعليم ورفع جرعات الوعي.
المنطقة العربية في حالة إنسانية كارثية بفعل تحالف المصالح الدموي والقذر جداً بين أنظمة غاية في الدكتاتورية والعنف، وبين تنظيمات جهادية مسلحة بالغة التطرف، كما أحزاب سياسية دينية قائمة على الاستغلال التام.
على الصعيد المحلي سيبقى الحل الأمثل في بناء الوعي العام مرة بعد مرة، عبر إعادة «التعليم المختطف» لمجاله العلمي، وتحصين المنابر من الخطاب التهيجي الداعم لكل أشكال الإرهاب مهما كانت مبرراته، والرافض لكل أشكال التسامح والتعايش الإنساني المدني.
لا شك أن ذلك يتطلب جهداً طويلاً، لجيل أو أكثر من أجل الوصول إلى مرحلة الحد من انتشار هذا الفكر المضلل كمرحلة أولى، وقبل القضاء التدريجي عليه وعلى حصونه التقليدية.