اعتمدت المنظمات الإرهابية لعقود على مصادر تمويل تقليدية وفرتها من تبرعات المتعاطفين، أو ما تحصل عليه من زكوات وتبرعات دُفعت لأغراض خيرية فاستولت عليها بدل إنفاقها في أوجه الخير. المشهد بات مختلفاً عما كان عليه من قبل، فجماعات الإرهاب التي كانت تستجدي التبرعات؛ أصبحت تتلقى الدعم المالي المباشر من دول مارقة؛ واستخبارات حاقدة؛ إضافة إلى ما تستولي عليه من أموال المصارف التي تسيطر عليها.
تنوعت مصادر التمويل؛ وتضخم حجمها؛ وأصبحت بعض الجماعات الإرهابية في المنطقة تصنف ضمن المنظمات الأغنى عالمياً، وعلى رأسها منظمة «داعش» التي نجحت مؤخراً في الإستيلاء على 425 مليون دولار، بحسب التقارير الغربية. وتضم قائمة الأغنى بين المنظمات جماعة «طالبان» و»حزب الله» و»القاعدة» التي تعد الأفقر حالياً.
ما رَبَط بين المنظمات الإرهابية؛ وجودها في الدول الإسلامية؛ والعربية على وجه الخصوص. ملاءة تلك المنظمات لا تخلو من الغرابة؛ بدأ من «داعش» الوليدة التي نجحت في تصدر القائمة؛ وتنظيم «القاعدة» متذيل الترتيب؛ وبما لا يعكس تاريخه الإرهابي والتمويلي في المنطقة. كما أن خفض توقعات الملاءة المالية لدى «حزب الله» إلى مئتي مليون دولار، أمر لا يمكن القبول به؛ فالحزب يتلقى معونات مالية مباشرة لا تقل عن 200 مليون دولار سنوياً من إيران؛ بخلاف عوائد تجارة المخدرات؛ وغسل الأموال؛ وقيمة الأصول التجارية؛ واستثماراته المنتشرة في منطقة الخليج؛ أميركا الجنوبية؛ وأوربا.
نجحت «داعش» في السيطرة على بنوك الموصل؛ وتحدثت الأنباء عن سيطرتها على ما يقرب من 425 مليون دولار؛ وبعض محطات النفط المهمة في الشمال. تُعيد «داعش» سيناريو تنظيم «القاعدة» من جديد بعد أن سيطرت عليها الاستخبارات الأجنبية؛ التي زرعت بين أفرادها رجال الحرس الثوري؛ وعملاء الغرب؛ ثم أُستُغِلَت كفزاعة مُرسلة لمناطق النزاع يحقق من خلالها الغرب وإيران أهدافهم المشبوهة. نجحت في إجهاض الثورة في سوريا؛ وباتت قريبة من تحقيق هدف التقسيم في العراق. أعتقد أن أي مكاسب يحققها ثوار العراق اليوم؛ ومن ضمنها سقوط المالكي المتوقع؛ سيكون ضمن أجندة مسبقة وضعت لخدمة الأهداف الإستراتيجية بعناية؛ ومن بينها تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات.
السعودية كانت السباقة في مكافحة «تمويل الإرهاب وغسل الأموال»، وهي ضمن الدول القليلة التي التزمت بمعايير (FATF ) العالمية. ومع كل الجهود المتميزة والمعلنة تواجه السعودية دائماً بإتهامات مغلوطة حيال قضايا الإرهاب وتمويله. بل قد تأتي تلك الإتهامات من دول وحكومات ضليعة في الإرهاب الدولي؛ كإيران؛ وحكومة المالكي في العراق.
وزير الخزانة الأميركي «جاكوب لو»، شدد «على ضرورة مواصلة جهود التعاون بين الرياض وواشنطن في مكافحة تمويل المنظمات الإرهابية»؛ وطالب بالعمل معاً «لسنّ قانون يمنع تقويض الأمن العالمي». التعامل الأميركي المزدوج حيال قضايا الإرهاب وتمويله؛ يبعث على القلق والاستغراب. ففي الوقت الذي تُطلِق فيه يد إيران في المنطقة؛ إرهاباً وتمويلاً؛ وتسمح لحزب الله بالتغلغل في سوريا؛ وتَلَقِّي أموال الدعم الإيرانية دون محاسبة؛ توجه الدول المُلتزمة بقوانينه؛ والمتضررة منه؛ بسن قوانين إضافية، وكأنها تتهمها بالتقصير.
المعايير المزدوجة في التعامل مع قضايا الإرهاب؛ وأمواله القذرة؛ تسببت في تخمة المنظمات الإرهابية مالياَ؛ وإحداث فوضى عارمة في الدول العربية. استثمارات حزب الله العالمية وأرصدته ليست خافية على الخزانة الأميركية؛ وكذلك التدفقات القذرة بين إيران وميليشياتها في المنطقة؛ إضافة إلى مصدر أموال داعش؛ وأسلحتها النوعية التي لا يمكن شراؤها من السوق السوداء لعدم توفرها؛ وقبل ذلك مصادر تمويل جماعة «الحوثي» في اليمن. اجتمعت تلك المنظمات الإرهابية على هدف إحداث الفوضى في المنطقة تجهيزاً لتقسيمها؛ ومن ثم التحرك للهدف الإستراتيجي الأخير في قلب الجزيرة العربية.
إعادة الإستقرار للمنطقة؛ ومكافحة الإرهاب؛ وتجفيف منابع تمويله ليس بالأمر الصعب على دول الغرب الفاعلة؛ وعلى رأسها أميركا؛ بل أزعم أن استخباراتها على دراية تامة بمصادر؛ وقنوات وحجم التمويلات القذرة؛ ما يؤكد قبولها باستمرار الوضع على ما هو عليه؛ تحقيقاً لمصالح الإستراتيجية. أخطر جماعات الإرهاب هي الجماعات المشكلة وفق إستراتيجية استخباراتية محترفة؛ وأكثر مصادر تمويل الإرهاب سخاء، المصادر المرتبطة بالدول والحكومات؛ وأحسب أن الخطورة والسخاء قد اجتمعتا في القاعدة؛ وحزب الله؛ والحوثي؛ وداعش وغالبية منظمات المنطقة الإرهابية؛ إضافة إلى وحدة الهدف المدمر. فمن يا ترى المستفيد؟