في مستهل لقاءاته العامة غير الرسمية؛ أبدى المهندس عبداللطيف العثمان؛ محافظ الهيئة العامة للاستثمار؛ أمنياته في تحقيق التنسيق والتكامل بين الوزارات؛ والعمل كفريق واحد يهدف إلى دعم وإنجاح الإستراتيجيات الاقتصاديَّة المعلنة من قبل الحكومة.
وأحسب أنه سعى لتحقيق ذلك الهدف فيما يتعلّق بالاستثمار على وجه الخصوص.
«قصور التنسيق بين الوزارات» كان ضمن معوقات التحول إلى المجتمع المعرفي؛ بحسب الدراسة الإستراتيجية التي قامت بها وزارة الاقتصاد والتخطيط مؤخرا. كنت أتمنَّى إضافة تداخل الصلاحيات؛ وتعدد المناصب؛ ومنظومة الاقتصاد ضمن قائمة المعوقات.
ما توصلت له وزارة الاقتصاد بعد عناء كان متداولاً في كتابات المختصين وأطروحاتهم منذ سنوات طوال.
ما زلت أعتقد أن العمل الجماعي بين الوزارات التنفيذية يفتقر إلى الآلية الضامنة لتحقيق العمل المشترك؛ وفق رؤية إستراتيجية تُقرها الحكومة؛ فالملاحظ أن وزارات الدّولة تعمل باستقلالية عن بعضها البعض؛ وهذا يؤثِّر بشكل كبير في إستراتيجيات الحكومة التي قد تواجه بمعوقات مختلفة حين التنفيذ. غالبية الوزراء التنفيذيين يعانون مشكلة حقيقية مع زملائهم الوزراء الآخرين؛ في حال تطبيق بعض القرارات الحكوميَّة أو تنفيذ الإستراتيجيات الوطنيَّة؛ وتتطوّر المعاناة في بعض الأحيان لتصل حد الشكوى الإعلاميَّة من قبل المتضررين.
يفترض أن يُشكِّل الوزراء فريق عمل واحد يخدم رؤية الحكومة ويقوم بتنفيذ خططها؛ كل حسب اختصاصه؛ فالنجاح والفشل يحسب للحكومة لا الوزارة ووزيرها المكلف؛ كما أن قدرة الوزير؛ أيًا كانت وزارته؛ على تعطيل الإستراتيجيات يقود إلى ضعف مخرجات الحكومة بشكل عام؛ ويؤثِّر سلبًا في تنفيذ الإستراتيجيات التنموية.
في أحد رسوماته الكركاتورية المتميزة؛ أبدع الزميل «هاجد» في رسم واقع وزارات الدولة؛ حين عبر عنها بجزر بحرية متباعدة ومستقلة لا ترتبط فيما بينها برابط أو صلة. رسم يغني عن ألف كلمة؛ تمنيت لو كان ضمن أجندة اجتماعات مجلس الوزراء الموقر.
الزميل طارق إبراهيم؛ تناول موضوع تداخل المسؤوليات والصلاحيات في مقالة نُشرت في «الوطن» عنونها بـ»هل هدف وزارة الماليَّة منافسة أرامكو؟» وأشار إلى استغرابه من توقيع وزير الماليَّة لمشروع إنشاء سكة حديد بين الجبيل والدمام؛ عوضًا عن وزير النقل؛ متسائلاً عن «علاقة وزارة الماليَّة بإنشاء سكك الحديد». من حيث التنظيم فمعالي وزير الماليَّة يرأس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامَّة؛ المسؤول عن مشروع «سار» ومن الطّبيعي توقيع الوزير لمشروع القطار؛ الذي من المفترض أن يكون من مسؤوليات وزارة النقل؛ وأن يكون وزير الماليَّة مسؤولاً عن التمويل لا الاستثمار.
الزميل طارق انتقد مسار القطار المزمع تنفيذه؛ وهو مسار لا يخدم نقل الركاب من الجبيل إلى الدمام لأسباب مرتبطة بخط السير؛ وهذا أمر واقع؛ فمسار القطار يبعد عن الجبيل مسافة 30 كيلومتراً غرباً؛ ولا يربط المدن المهمة؛ وهي أم الساهك؛ صفوى؛ القطيف؛ عنك؛ وسيهات. ومن المفترض أن يكون خطّ الركاب موازيًّا لطريق الجبيل الظهران السريع؛ يخترق الجبيل الصناعيَّة؛ وحتى منطقة رأس الخير. حركة المركبات التي تخنق الطريق السريع لا يمكن حلها إلا بوجود القطار بمساره الموازي لطريق الجبيل الظهران السريع؛ وهو المسار الأكثر جدوى والأقل تكلفة؛ والمرتبط بمشروع قطارات حاضرة الدمام.
أعود إلى التكامل بين الوزارات التنفيذية؛ والرؤية الحكوميَّة؛ وتداخل المسؤوليات؛ والمعوقات التي تحول دون تطوّر الاقتصاد وتحوله إلى الاقتصاد المعرفي.
أعتقد أن المُعضلة لا تكمن في وزارة بعينها؛ بل تكمن في منظومة الاقتصاد؛ والرؤية الحكوميَّة الإستراتيجية الموحدة الملزمة للجميع؛ وقبل كل ذلك مسؤولية وضع السياسات الاقتصاديَّة العليا.
أجزم أن المجلس الاقتصادي الأعلى هو المسؤول عن وضع السياسات الاقتصاديَّة وإقرار الإستراتيجيات التكاملية ومن ثمَّ إلزام الوزارات التنفيذية بها.
الأمر يقودنا أيْضًا للصناديق المتخصصة التي تمثِّل أذرع الدَّولة التنموية؛ ومنها صندوق الاستثمارات العامَّة. يفترض أن تكون تلك الصناديق تحت مظلة المجلس الاقتصادي الأعلى؛ وأن تشكّل مجالس إداراتها من الوزراء المتكافئين؛ الذين يقومون بتنفيذ رؤية المجلس؛ لا رؤية الرئيس. نحن في حاجة إلى هيكلة الاقتصاد؛ وإعادته إلى منظومته الأساسيَّة المتوافقة مع منظومة الاقتصاديات العالميَّة الكفؤة. يُفترض أن يكون المجلس الاقتصادي الأعلى الجهة المسؤولة عن وضع السياسات الاقتصاديَّة والإستراتيجيات ومن ثمَّ تحويلها للوزارات من أجل تنفيذها؛ فالمجلس معني بالجانب الإستراتيجي والسياسات؛ ورسم الأهداف وفق خطط تكاملية مستدامة. ما لم تعاد هيكلة الاقتصاد وفق المنظومة الأساسيَّة؛ فمن المتوقع أن تستمر المعوقات إلى ما لا نهاية؛ وسيُكتفى بإجراء الدراسات والمؤتمرات وطرح الأفكار دون تفعيلها؛ وهذا من أسباب تأخرنا عن ركب التنمية الاقتصاديَّة العالميَّة.