من يتابع نشرات الأخبار ويمتلك دقة الملاحظة لما تحتويه مكاتب المسئولين الكبار (رؤساء وملوك) في مختلف دول العالم، خصوصا عند تغطية اللقاءات الرسمية يرى اهتمام هؤلاء الكبار أو اهتمام المسئول عن ديكور تلك المكاتب بالفنون التشكيلية، حيث تتصدر تلك المكاتب لوحات تشكيلية، نعرف لمن من الفنانين ينسب بعضها بحكم تخصصنا ومتابعتنا للفنانين على المستوى العربي والعالمي.
هذا الاهتمام لم يتوقف عند تلك المكاتب التي شرفت هذا الإبداع وقدرت فنانيه بل وصلت إلى مبنى هيئة الأمم المتحدة حيث يحتضن المقر نسخة من إحدى أهم لوحات الفنان الإسباني بيكاسو المسماة بالـ(جنريكا) نسخة من اللوحة الأصلية المعروضة حاليا في متحف ايا صوفيا في مدريـد، هذه اللوحة في كل مكان تظهر فيه تعيد لكل من شاهد ذكرى ما قام به طيـارون ألمان وإيطاليـون بقصف المدينة الباسكية (جيرنيكا)، لاختبار القنابـل الشاملة.
ومع أن كثيرا من جيلنا الجديد لا يعرف هذه الحادثة ولا ما تعنيه تلك اللوحة التي تجرى أمامها اللقاءات والحوارات مع مندوبي الهيئة أو من يحضر اجتماعاتها الهامة خصوصا مندوبي أو مسئولي مروجي الحروب وتجار الأسلحة بتعليقات وتصريحات تأزم أكثر مما تحل قضايا الحروب، أو ما نسيه من يعرفها ويعرف دمار ذلك القصف نتيجة ما يحدث اليوم من قصف مماثل على قرى ومدن سوريا فإن ذاكرة الفن التاريخية ما زالت تخلدها وتخلد غيرها وستخلد الكثير منها.
هذه اللوحة وبعيدا عما توحي به حول حدث مضى فلدينا ما هو حي من مثل ذلك الحدث، فإنني أتساءل عن أسباب تجاهل مهندسي الديكور في محيطنا المكلفين بهندسة مثل تلك المكاتب لمثل أولئك المسئولين أو حتى من المسئولين الكبار للوحة التشكيلية واعتمادهم على اللوحة المستوردة، مستثنيا بعض من الجهات التي منحت لهذا الفن التقدير والدعم، أذكر منها بكل اعتزاز الديوان الملكي رئاسة الحرس الوطني ووزارة الدفاع ومكتب وزير التعليم العالي ومجلس الشورى، وغيرها من المؤسسات أو الأفراد الذين خدموا هذا الفن لعلمهم أن الفن التشكيلي لوحة أو قطعة نحت ثروة وطنية ومصدر استثمار لمن يعرف سوقة وتسويقه ولنا في تجربة المهندس محمد الفارسي خير دليل على قيمة العمل الفني التشكيلي (الوطني) محلي أو عربي وما حققته مقتنياته من أرباح تجاوز سعر أربع لوحات من مقتنياته لفانين مصريين كبار معاصرين ثمانية ملايين دولار في مزاد كريستيز في دبي قبل عامين.
هذا الموقف يعيدني إلى أسماء هامة في مسيرة الفن التشكيلي السعودي في جانب الاقتناء، أذكر منهم الأستاذ محمد أبالخيل والأستاذ عادل المنديل والأستاذ فيصل المعمر والدكتور خالد العنقري وغيرهم، حريصون على اقتناء الأعمال الفنية السعودية خاصة وأصحاب ذائقة عالية في الاختيار.