يقول الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الصادر في عام 93م بأنه «أي فعل عنيف ينجم عنه أذى أو معاناة جسدية أو نفسية أو جنسية للمرأة « بما في ذلك التهديد والإكراه والحرمان التعسفي! هذا الإعلان صدر من قبل المنظمات النسائية في مؤتمر فيينا الدولي لحقوق الإنسان، وكانت معاناة النساء مشتركة وهي التعرض للعنف لمجرد أنهن نساء! والعامل المشترك لهؤلاء النساء حينها هي معاناتهن من موقف العالم تجاههن وذلك «لالتزامه بالصمت» تجاه ما يقع عليهن من عنف باعتبار أنه من الأمور الخاصة التي لا يجب التدخل فيها! لكن الكثير من الجهات الحكومية والمدنية على مستوى العالم استجابت لمطالب النساء المتضررات من العنف بالوقوف بجانبهن وحمايتهن، واستجابت لمطالب المهتمات والمختصات بالمجالات الأسرية والحقوقية والنفسية للنهوض بمستوى الخدمات المقدمة للأسرة بحماية نسائها أولاً قبل المطالبة بتربية نشء مستقر أسرياً! فالكثير من النساء تواجه أنواعاً من العنف سواء في محيط الأسرة، أوفي الإطار العام للمجتمع، أوعلى مستوى الدولة عندما تتغاضى عن العنف الواقع عليهن! لذلك تكاتفت الجهود الحقوقية على مستوى العالم وإن اختلفت التوجهات الفكرية، وصدرت بعدها الاتفاقيات الدولية الحقوقية لمناهضة التمييز ضد المرأة، واعتمدت بعض القوانين الرادعة للمعتدين، ومنها على المستوى المحلي «نظام الحماية من الإيذاء» وتكاتفت الجهات المعنية لدينا بتسليط الضوء على تلك الاتفاقيات والأنظمة بتطبيق الورش العملية، وإلقاء المحاضرات، وإعداد الدراسات العلمية، وذلك بهدف التوعية والتثقيف للحد من ازدياد حالات العنف الأسري! وهذه الجهود رسالة لكل امرأة التزمت بالصمت تجاه ما يحدث لها تحت سقف سكنها الشرعي الذي لم يقدر إنسانيتها وكرامتها، لتشجعها حتى تلجأ للجهات المسئولة للتحرر من صمتها، لأنها بلا شك ليست سعيدة طوال سنواتها الماضية، لكنها التزمت لأسباب كثيرة قد تراها قوية ومقنعة، ولكن الآخرين يرون العكس لأن المهم لديهم هو إنقاذ آدميتها قبل كل شيء! وهذا العام بالذات وبعد صدور نظام الحماية من الإيذاء لاحظت وتعاملت مع نماذج غريبة من النساء التزمن الصمت لسنوات طويلة وهن مُعنفات ذليلات مُهانات من أقرب الناس لهن (زوج، أخ، أم، أب) وبدأن يتحررن من صمتهن ويحاولن رفض العنف الواقع عليهن، ويسألن عن الخلاص من هذه الحياة التعيسة لكن بدون فضيحة لأسرتهن، أو بدون ضرر يقع علمُعنِفهِن! أو بدون اللجوء للإجراءات الرسمية حتى لا تندرج أسماؤهن في السجلات الرسمية! حيث مازال التردد للتحررمن العنف الواقع عليهن يكبلهن عن التقدم للأمام، فهناك من تطالب بإنقاذها من التدخل الأول بعد صمتها لسنوات طويلة ولكن بدون التعرض للمعتدي بالأذى! وهناك من تشكك في مهنية ومصداقية جهات التدخل وتظل تماطل لأشهر في تقديم شكوى رسمية ضد المعتدي وثم تعلن انسحابها بحجة عدم الجدوى من تقديم الشكوى! وهناك من تقع تحت عنف لا يمت للإنسانية بصلة وارتضته لنفسها لسنوات بحجة إرضاء والدتها وعدم إغضابها لأنها لجأت للجهات الرسمية (خاصة عندما يكون المعتدي أحد الإخوة الذكور) الوارثين للسلطة الذكورية القامعة!
هذه النماذج التي ارتضت العنف لنفسها لسنوات طويلة كانت تُبرر صمتها سابقاً بسبب عدم وجود جهات للإنصاف، ولكن الآن بعد وجود الكثير من الجهات المُكلفة بالتدخل، ما هي حجتها لكي تتردد في التبليغ وتنسحب عند التحرك الأول لإنقاذها؟ إن هذه النوعية من النساء من أخطر النماذج التي نطلع على أوضاعها من بعيد بسبب سلبيتها، لأنها قد تكون (قاتلة) في أي لحظة لإحساسها بالقهر والألم المكبلة به بسبب القبلية والعيب والنظرة الدونية لجنسها في ظل محاولاتها القاصرة لمن ينقذها!