«أم عبد الله» تعمل مراسلة في إحدى الدوائر الحكومية النسائية، تسكن في منزل بسيط جداً، في حي شعبي جداً، دخل ابنها السجن بسبب مضاربة ولم تستطع إخراجه من السجن، توفي زوجها من أشهر بعد مرض طويل، بلغت من العمر ستين عاماً بعد انتهاء عدة الوفاة، وجاءها خبر تقاعدها، وأن عليها التوقف عن العمل مع بداية شهر رجب كمثل كل موظفي الدولة! أم عبدالله بالرغم من جسمها الضعيف المتهالك، إلا إنها حزينة لأنها ستتقاعد وستلازم منزلها البسيط مع بناتها المحتاجات لها كولي أمر، وأم أرملة تحملت مسؤوليات كثيرة، لأن راتبها التقاعدي لن يكون كافياً، بل ستكون محتاجة أكثر لأهل الخير وتبرعاتهم التي قد تنقطع في أي لحظة! مثل «أم عبدالله» موظفات وموظفين كثير من حيث ظروفهم المعيشية الصعبة مقارنة بحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، يكرهون الوصول لسن التقاعد المحدد بـ«60» عاماً، ويشعرون بالقلق والتوتر مع اقتراب شهر رجب، وهم ما زالوا يعانون من ظروفهم المعيشية الصعبة وقلة رواتبهم بعد التقاعد! وهذا هو السؤال الذي قد يراود الكثير من موظفي الدولة:
- لماذا الراتب التقاعدي لا يكفي الحاجة؟ وبالرغم أن المؤسسة العامة للتقاعد اهتمت بحقوق المرأة التقاعدية باختلاف سنوات خدمتها، وإن الأحكام الواردة في نظام التقاعد كافة تخضع لها الموظفة شأنها شأن الموظف، وكفل لها كافة المزايا الواردة فيه، وأن للمرأة المستفيدة الحق في استلام مستحقاتها مباشرة بنفسها أو توكيل من تراه للاستلام نيابة عنها، إلا أن الحقوق ما زالت غير مريحة لكثير من الموظفات خاصة عندما نُصدم فعلاً لعدم صرف راتبين تقاعديين للزوجين في وقت واحد للمستفيدين من أبنائهما، بل يُصرف فقط الأعلى من الراتبين! وهذا هو السؤال الذي ما زالت مؤسسة التقاعد لم تجد له حلاً، وتسبب في ظلم أُسرٍ كثيرة لم تستفد من معاشات أهلها للسنوات التي مضت! ولم تجد من يعوضها، خاصة أن هذه الأسر محتاجة مادياً ولا دخل إضافي لها، وإلا لم تتحسر على راتب أحد عائلها لانقطاعه عنهم بدون وجه حق!!
إن شهر رجب هو شهر المواجع لكثير من متقاعدي الدولة الذين يتم نسيانهم بعد الاحتفال بتقاعدهم لدى كل جهة، حيث لا يتم الاستفادة من خبراتهم خاصة ذوي التخصصات المميزة منهم، ولا يتم الاستعانة بهم في تطوير خدمات مراكز الأحياء الاجتماعية، ولا في النهضة بخدمات جمعية المتقاعدين والتي ما زالت بحاجة لدعم واعتراف أقوى بمهامها، ولا حتى الاستفادة منهم في مجال العمل التطوعي خاصة ممن لديهم القدرة والرغبة، بل إن كثيراً منهم للأسف يدخل في دائرة التهميش والنسيان إلا من رحم ربي واستطاع التخطيط لحياته لما بعد التقاعد وهؤلاء للأسف الشديد قلة! لذلك إن مرحلة التقاعد يجب ألا تكون شبحاً مخيفاً مسبباً لكثير من الأمراض النفسية لكثير من المتقاعدين ذوي الدخل المحدود، بل يجب يكون انطلاقة معززة لكرامة من خدموا الدولة لسنوات طويلة وأدركهم العمر، وخاصة ممن يعانون مثل «أم عبدالله» التي زادها التقاعد هماً جديداً إلى جانب همومها السابقة!!