أحدث تخصيص مبلغ (80) مليار ريال لتطوير التعليم العام خلال 5 سنوات في المملكة تفاعل نشط في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي، وهذا المبلغ الضخم هو مخصص فقط لبرنامج الملك عبدالله لتطوير التعليم (تطوير) علاوة على مخصصات الوزارة المعتادة في الميزانية العامة للدولة، وبرنامج (تطوير) الذي انطلق بأمر ملكي عام 1428هـ يركز على تطوير التعليم من عدة جوانب تتمثل في المرافق والوسائل والمناهج وكفايات المعلمين وذلك كما ورد في مشروع الإستراتيجية الوطنية للتعليم التي هي أحد منتجات برنامج (تطوير). وحيث تبنت الخطة الخمسية التاسعة تنمية الموارد البشرية السعودية كمحور للتحول للمجتمع المعرفي فإن الإستراتيجية الوطنية للتعليم تنسجم مع ذلك بوضوح، ومع ذلك لم تتطرق تلك الإستراتيجية بتفصيل عن أهم محور فيها وهو تنمية المواطنة وبناء شخصية متوازنة للطالب.
تنمية المواطنة لا تتحقق بمجرد وضعها كهدف في إستراتيجية التعليم، فتلك بحد ذاتها تحتاج إستراتيجية وطنية طويلة المدى ولا شك أن التعليم هو الأداة الأهم لتحقيقها مع الحاجة لمشاركة جهات أخرى في ذلك، وتنمية المواطنة لا تتحقق بدون مراجعة واستيعاب سمات المجتمع السعودي والتحديات التي تواجهه سواء كانت تحديات داخلية تتمثل في تجانس النسيج الاجتماعي وبنيويته، أو تحديات خارجية تتمثل في حضور المجتمع السعودي في المسرح العالمي وقدرته على التواصل وخلق سمة إيجابية.
وتنمية المواطنة تحتاج في البداية وضع تعريفات للحقوق والواجبات وسن قوانين تحمي المواطنة من التجريح وتحفظ حقوق المساواة بين المواطنين. فنحن في المملكة شعب متعدد الصيغ الاجتماعية وهذا التعدد يخلق بعض الإشكالات التجانسية بين تلك الصيغ، ولا بد من الاعتراف بذلك حتى نستطيع أن نضع إستراتيجية تنمية المواطنة، فالقبلية والمذهبية والمناطقية كلها حاضرة في المسرح الاجتماعي وقيمها تؤثر في حياة الناس بصورة يومية، بل إنها أصبحت محور مصالح وولاءات للبعض الذي بات يعززها وذلك لا شك عامل يهتك النسيج الاجتماعي ويهدده، ويخلق تمايزاً بين مكونات المجتمع تؤدي لنمو طبقي وتوتر بين تلك المكونات.
الدول التي تكونت من أعراق مختلفة وأطياف مذهبية ودينية لم تستطع أن تبني انتماء وطنياً لها بدون أن تخلق رابطاً بين تلك المكونات يكون أقوى وأنفع، لذا اهتمت بوضع قوانين تضمن العدالة بين مكونات المجتمع في كل الأحوال وتضمن الحرية لتلك المكونات لتمارس اختلافها دون أن يكون لذلك الاختلاف أثر في علاقات المكونات الاجتماعية بين بعضها، والبلدان التي لم تحقق ذلك إما انتهت بالتمزق لدويلات أصغر مثل (يوغوسلافيا) أو الانقسام مثل (تشيكوسلوفاكيا) و(السودان) أو في استقلال أجزاء منها مثل (إندونيسيا) أو ما زالت تعاني من التوتر والحروب الأهلية مثل (العراق) و(الفلبين) وبلدان كثيرة غيرها.
فلا شيء يهدد البلدان أكثر من تمزقها الاجتماعي الذي يعززه أرباب الفرقة وأصحاب المصالح القائمة على فئوية المجتمع.
نحن اليوم بحاجة لوضع إستراتيجية وطنية شاملة لبناء مجتمع متجانس المواطنة، فالحوار الوطني لا يكفي لخلق التجانس الاجتماعي، ولا بد أن نعترف باختلاف بعضنا وأن لا نحاول تهميش هذا الاختلاف والتظاهر بأنه غير موجود، أو أن هذا الاختلاف سيذوب مع الزمن بمجرد إهماله.
بل علينا التعامل بين بعضنا البعض على أساس أن الاختلاف هو سمة من سمات المجتمع التي يجب أن تحترم.