نحن السعوديين بتنا نعتقد أن المستقبل ابتسم لنا حتى تشقق شدقاه، ولكن من يقرأ التاريخ يعرف أن المستقبل يصبح ماضياً للأجيال القادمة، وقد يكون ماضياً جميلاً يتحسر عليه إذا لم نستغل فرصته ونبني اقتصاداً قوي الكيان. نحن قوم نعيش في بلاد صحراوية وعندما يهبها الله بفضله وابل الغيث تترطب الأرض وتزهو بكل يانع وزاهر وترتدي البلاد حلة من الجمال تمتع بها النفوس وتزدهر بها الحياة. ثم يأتي لهيب الصيف فيجردها بسمومه وجفافه، فتبدو كما لم تكن، هذا الواقع المناخي هو تمثيل للواقع الاقتصادي الذي قد يكون إن لم نغيّر من طبيعتنا وندرك أن مواردنا التي نستمتع اليوم بعوائدها ما هي إلا كأمطار الربيع.
اليوم يحتل اقتصادنا المرتبة (19) بين اقتصادات دول العالم، فتقديرات مجمل الناتج المحلي السعودي للعام الماضي كانت (2.7) تريليون ريال ويتوقّع أن يحقق نمواً يتجاوز(3%)، وتمثّل عائدات البترول (92%) من مجمل إيرادات الميزانية العامة للدولة، ويبلغ عدد السكان (27) مليوناً وينمو بمعدل (3%) تقريباً، وتبلغ نسبة البطالة بين المواطنين السعوديين (11.5%) ويمثِّل الوافدون (80%) من مجمل القوى العاملة ويبلغ معدل النمو في الإنفاق الاستهلاكي الخاص (5.6%). هذه بعض مؤشرات الاقتصاد السعودي، وهناك غيرها تتوفر لمن يريد أن يستزيد في موقع (مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات)، ولكن هذه المؤشرات بحد ذاتها تقول الكثير، فنحن بلاد يتزايد سكانها وتعتمد على مورد اقتصادي ناضب ونعتمد على غيرنا في تشغيل اقتصادنا ونزيد في استهلاكنا بمعدل يفوق حجم الناتج المحلي، هذه سمة اقتصاد يحتاج لمعالجة إستراتيجية تجعله يسير في اتجاه بناء كياني صلب، هذه الإستراتيجية يجب أن تعتمد على تمكين المواطن بالأدوات والمهارات والوسائل التي تجعله المساهم الأول في مجمل الناتج المحلي، وهذه الإستراتيجية هي ما جعل بلداناً فقيرة في مواردها تتقدَّم اقتصادات العالم بما يحققه شعبها من إنتاج وتصدير، الإستراتيجية التي حققت التقدم لتلك الدول هي نفسها التي يمكن أن تحقق لنا الريادة الإنتاجية، فليس فيها أسرار ولكن فيها أولويات وترتيبات في مقدمتها التهيئة الاجتماعية والتهيئة المعرفية والإصلاح النظامي والإداري، فالتهيئة الاجتماعية تزرع قيماً جديدة في المجتمع تقود لاحترام العمل والإنتاج ونبذ الاتكالية والتهيئة المعرفية تقوم على تمكين مؤسسات التعليم ومصادر المعرفة من التقنيات التي تجعلها تنتج المعرفة وترعاها وتيسرها، والإصلاح النظامي والإداري يقود لتمكين العدالة الاجتماعية وتحسين إدارة الموارد.
الدولة السعودية منذ أن تأسست وهي تحقق إنجازات تنموية جبارة بها تحقق للمجتمع حياة كريمة وفرص كثيرة للإبداع والإمتاع، ولكن المستقبل يحتاج منا أكثر، فهو يحتاج أن نتغيّر من الاعتماد على ما تنفقه الدولة لتحقيق الرفاه لنا إلى الاعتماد على الفرد وإنتاجيته وإبداعه، وحيث يحتاج ذلك لوجود برامج ومشاريع تقودها الدولة، إلا أن ذلك لا يحقق الكثير ما لم يتم تغيير التفكير الجمعي للمجتمع؛ بحيث يقبل على الإسهام كل فيما يخصه في حركة بناء للمنظومة الإنتاجية الوطنية.