تذمر صاحب السمو الملكي ولي ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز في معرض حديثه في حفل لمؤسسة الملك خالد الخيرية مطلع هذه الشهر من البنوك وقصور دورها الاجتماعي، وكلام سموه ليس جديدا، فالتذمر من قصور الدور الاجتماعي لدى معظم الشركات والمؤسسات السعودية مثار في كل مجلس ومحتفل منذ أمد، وقد عقدت العزم أن أكتب حول هذا الموضوع الأسبوع الماضي ولكن منعني الانشغال بشؤون أخرى، مما أتاح لي وقت البحث والتدبر في المسؤولية الاجتماعية لقطاعات الأعمال في المملكة والدول الأخرى، ومقارنتها من حيث المجالات والتكلفة والعائد النفعي على المجتمع، ولكن قبل أن أنساق لذلك رأيت أن أجعل طرحي لهذا الموضوع في أكثر من مقال، حيث سأعرض في هذا المقال، مفهوم المسؤولية الاجتماعية لقطاعات الأعمال، وهل هذا المفهوم متسق مع النشاطات التي تقوم بها قطاعات الأعمال السعودية، وفي المقال التالي وربما يليه ثالث سأناقش دور قطاعات الأعمال في تحمل المسؤولية الاجتماعية، وما إذا كانت قاصرة عنها وما هي تحدياتها.
مفهوم المسؤولية الاجتماعية مفهوم معقد ويقوم على افتراض أن الكيانات الاقتصادية وهي تمارس أعمالها تقترف مخالفات أخلاقية وسلوكية وقانونية، وتعتمد على قدرتها وسلطتها في إخفاء ذلك أو التقليل من أثره، لذا لابد أن تثبت هذه الكيانات للمجتمع أنها تضع المعايير وتمكن الوسائل والتجهيزات التي تحمي المجتمع من تجاوزاتها، وتتبع سلوكا يعتمد الشفافية في أعمالها وتسعى للمساهمة في تحمل أعباء تحسين الحياة العامة، وحماية البيئة من التردي الذي ينتج بتأثير أعمالها ومنتجاتها، وكامتنان لحماية المجتمع تلك الكيانات وأعمالها.
لذا أتى مفهوم المسؤولية الاجتماعية ليشمل كل نشاط تقوم به منظمة الأعمال من شأنه تنظيم العمل وتدريب العاملين، ووضع معايير الجودة والسعي للحصول على شهادات المطابقة وتحسين الإجراءات وتوظيف التقنية، هذا إلى جانب إنشاء المشروعات التي تقوم بها المنظمة لحماية البيئة وحد الآثار السلبية لنشاطاتها على البيئة والأعمال الخيرية بصورة عامة.
المسؤولية الاجتماعية لقطاعات الأعمال لازالت شأناً مثيراً للخلاف بين المفكرين المهتمين بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ففريق يرى أن يؤسس للمسؤولية الاجتماعية أطر قانونية وأخلاقية تحكمها وتجعلها أحد متطلبات نشاط الأعمال بصورة عامة، وهناك فريق يرى أن المسؤولية الاجتماعية عبء على قطاعات الأعمال يشتت التركيز ويؤسس لتحديات جانبية، ولذا يصر هذا الفريق على أن قطاعات الأعمال تدفع الضرائب، وهذا هو واجبها وليس عليها واجب آخر ولا يجب أن تهدر طاقتها في برامج نفعية تنافسية. هذا الجدال الفكري ما زال يحتدم في طروحات بيوت الخبرة الاستشارية في العالم المتقدم، وفي تلك البلدان التي تعتمد في إيراداتها على الرسوم والضرائب، ولكن في بلدان كالمملكة ودول الخليج التي لا تجني من قطاعات الأعمال سوى الزكاة الشرعية وبعض الرسوم الضئيلة يصبح الجدال غير موضوعي، ويبدو كتنصل من حقيقة أن المجتمع هو سبب وجود المنظمة الاقتصادية وهو الذي يوفر لها مناخ الكسب والتنافس، ومع ذلك لا يجني المجتمع من تلك المنظمة سوى الآثار السلبية لنشاطاتها، فشركات الأسمنت تنفث غبارها في الهواء وشركات الأغذية تلوث عبواتها الفارغة الأرض والماء وشركات الكيمياء والأدوية تمثل خطراً كارثياً لو جاحها جائح. وشركات الزراعة تستنزف مكامن المياه الناضبة.
المسؤولية الاجتماعية في بلادنا هي ثمن لما تقترفه قطاعات الأعمال بجميع فروعها التجارية والصناعية والزراعية والخدمية وهي تكفير للمخالفات العلنية والسرية، وهي امتنان للفرصة التي يخلقها المجتمع لتحقق تلك القطاعات أرباحاً تتزايد عام بعد عام، لذا لابد أن تكون أحد أهم الأدوار التي تناط بالمنظمة الاقتصادية السعودية.