مذ أعلن عن رجلي الأمن المبتزين لفتاة لخمس سنوات .. والغضب في أندر الحالات التي يعتريني فيها قد هاج ..، وليس أقوى من دوافع الإحساس بوجود من يستغل وظيفته، ويتقافز على سلطة حصانتها، ويتخفى خلف رهبتها، وتحديداً حين يكون الجاني من يرتدي البزة العسكرية فيطمئن الناس إليه، ويهابونه فيخضعون ..، ومن ثم ينفُذُ هو من تحت ماء الاطمئنان إليه ليحقق غاياته عن طريق جسر الخوف منه..
وفي مجتمعنا المحافظ، ومن خلال ما عهد فيه من أعراف تقيم أسيجة حول الأنثى فتاة صغيرة، أو امرأة كبيرة فلا تقوى على الدفاع عن نفسها، وتحديداً عند اقتحام أسوار العيب، والفضيحة، والسمعة.. و.. و فيدفعها الخوف، وتحديداً ممن يهدّدها بوظيفته، ويضغط عليها بسلطة مسؤوليته، وهو في منأى عن أخلاق الوظيفة، وقيود المسؤولية .. وشروطها..
هذان الرجلان قد انتهكا حرمة عملهما، وكسرا حواجز آدابها، ونقضا دعائم أمانتها...، وينبغي أن يكونا عبرة عند العقوبة، ومبتدأ لسن قوانين صارمة في تقصي شأن كل من يرتدي بزة عمل أمني، وغيره.. ويركن اطمئناناً إلى جدار عصمتها..
فالفساد المستشري في قواعد السلوك فيما يمر من حوادث، وأهمها هذه الحادثة الراهنة ينخر هذه القواعد بتراخي الثقة التي تعودنا عليها ضمن تركيبة نشأتنا، ولحمة نوايانا، مما يدعو الآن بعد تكرار حوادث مشابهة، وانكشاف هذا الابتزاز، والتعدي على العرض والخلق، وأمن الفرد، إلى صرامة المجتمع، وإخضاع جميع فئاته، وأفراده، ومسؤوليه للمساءلة بعد الراقبة، وبالعقاب بعد الدليل..
إن هذه الحادثة تحديداً قد قصمت ظهر الحقيقة، وكشفت ما هو مخبوء يوجب تنفيذ الرقابة، والتعقب .. والعقوبات بلا هوادة، ولا تسامح..
ثمة ما يعيدني إلى كثير مما تناولت في مقالاتي عن التنشئة، والتربية، ومتابعة الوالدين لسلوك أبنائهم، والعمل على بث الوعي فيهم، وتأسيس دعائم الأخلاق، وغرس الفضائل، وحرث أرض النفوس بمحراث الإيمان، وسقيها بماء الخشية..، والتأدب مع الخالق والمخلوق، والتعامل بكل ما يمت إلى الفضيلة..
لا نود أن نستيقظ وقد فرطنا في قيم تنشئتنا، وتربيتنا فنحصد فعلاً سلوكياً خارقاً لكل المعايير مثل الذي تحمله وقائع هذه الحرابة والفساد.
إننا على يقين من أن وزارة الداخلية ما أعلنت عن الحادثة اعتباطاً، وإنما كان إنذاراً بقوانين ستسن لمنع الفساد، وتحميل كل فرد جزاء فعله، وحصاد عمله .. كي لا يكون المؤتمن على مسؤولية هو أول المفرطين فيها على نحو ما حدث.