تناقلت مواقع التواصل قبل أيام قليلة صورة لأحد رجال الأمن في الحرم الشريف وهو يسند قدمه إلى الكعبة المشرفة، الموقف إزاء تفسيرين، أولهما: ينصرف إلى عدم اكتراث الرجل بحرمة الكعبة المشرفة ولا نحسب ذلك، مما أثار حفيظة المعقبين، والراغبين في إثارة كثير مما ينبغي التجاوز عنه، وصرفه إلى حسن النية في سلوك البشر، وحسن النية هو التفسير الثاني لتصرف الرجل يمكن أن ينصرف إليه سلوكه بإسناد قدمه إلى الكعبة ..، إذ ربما لشعوره بالإجهاد، وربما لعدم انتباه كان ينبغي أن يتصرف به وهو في هذا المكان الذي يتطلب الوعي التام بموقعه، وبمن يعتمرون إليه، وبما يمكن أن يؤولوا من آراء مختلفة لما يرون، ويسمعون مما يواجهون في سلوك، وتعامل، ومظهرالعاملين في المكان تماما كالذي حدث ..
«مشعل بن عبدالله» بحكمة بعيدة النظر تناول الأمر، فأصدر قراره بالتحقيق مع الشرطي ..، لمعالجة الموقف نظاما، وتوعية الرجل إجرائيا، بما دأبت عليه مسؤولية أمن الحرمين من وقار للمكان، وتعظيم للكعبة، وللمشاعر حولها..، فالجهود التي تبذل فيه خارقة، لا يقواها أمن أمم، حين يجتمع في هذه البقعة من أنحاء الدنيا، وفجاجها ملايين في أيام معدودات، وفي مواسم منفتحة يأكلون، ويشربون، يسكنون، ويغتسلون، يطوفون ويسعون، يصلون ويتعبدون، وكلهم يعودون في أمان وسلام..
إنني أثق أن التحقيق مع الفرد ذاته سينتهي بأنه لم يتعمد، ولم يفكر فيما فكر فيه الناس، إذ هو واحد في خدمة بيت الله، وحماية الحرم المقدس، الساهر مع الساهرين على حماية، وتنظيم مساراته، وتمكين الراغبين في السلام على أركانه، ومن تكون هذه مهمته لن ينصرف إلى سوء سلوك معه عنوة، ولا تقصدا..
ومع هذا، وحرصا على الإمعان في أداء مسؤولية خدمة، وحماية هذا المكان المقدس جاء قرار أمير مكة حزما، وعزما، ليكون حسما لكل تأويل ..يمكن أن يخدش جهود أمن الحرم الشريف التي لا ينكرها إلا ظالم للحق..، وعزما للتوعية بما يجب أن يكون عليه سلوك الفرد،والجميع في حرم بيت الله العظيم..
إن التعامل مع عامة الناس ليس أمرا سهلا، ولا يسيرا..، وإن أمارة بيت الله العتيق مسؤولية ليست تنحصر في المواطنين وحدهم، بل تتسع إلى كل الوافدين، ولأن «إرضاء الناس غاية لا تدرك»..، فإن في القرار الذي أصدره أمير هذه المدينة المقدسة، وما حولها فيه إجراء ينم عن وعي مشعل بن عبدالله، وفيه إشارة إلى بعد نظره في شؤون الناس ..، وإدراكه لأوجه تأويلهم لأي سلوك عام..
أحيي مشعل بن عبدالله الأمير الشاب الذي أعرفه نموذجا للخلق النبيل، والوعي الجميل..، والطموح الكبير..، وفقه الله، ويسر له حسن البطانة، وأعانه على الأمانة في أمارة مكة المكرمة.. ووفق كل من تولى الأمانة، وأخلص لها.