سألني طبيب المستقبل عن رأيي في عمل الأطباء السعوديين موظفي القطاع الصحي الحكومي، التعليمي والخدمي، بالقطاع الخاص. وهي الظاهرة التي بدأها أطباء الجامعات، وتبعهم الآخرون. قبل إجابته سألته عن الإيجابية في الأمر؟
أجاب، أولاً:هناك حاجة كبيرة للأطباء السعوديين في العمل بالقطاع الخاص، نظرا للضغط الشديد على الخدمات ولكون الطبيب السعودي وبلا فخر أصبح مطلباً للمواطنين. ثانيا؛ من حق الطبيب السعودي زيادة دخله فهو أولى من غيره.
أتفق مع ذلك. لكنني أرفض الفوضى، وأطرح الأسئلة/ المبادئ التالية الواجب توفرها قبل عمل طبيب القطاع العام بالقطاع الخاص.
أولاً: هل يوجد نظام واضح يحكم تفاصيل هذا الأمر، وهل يتم الالتزام بذلك النظام؟ نحن معنيون باتباع النظام- بغض النظر عن قناعاتنا به- وأي تجاوز لذلك يصنف فساداً، وليس الفساد هو مجرد سرقة المال. المأسأة ستكون بعدم وجود النظام!
ثانياً: هل يحافظ الطبيب في القطاع الخاص على معايير الممارسة الصحية؟ مثال: اضطرار طبيب القطاع الخاص إلى وصف تحاليل أو فحوصات لا يحتاجها المريض، متجاوزاً في ذلك أخلاقيات الممارسة..
ثالثاً: هل يتم الحفاظ على معايير الممارسة الآمنة للمريض وللطبيب؟ مثال: عمل الأطباء بشكل متواصل يقود للإرهاق الذي يؤدي إلى عدم التركيز وحدوث الأخطاء والتجاوزات الطبية. وهناك من يعمل وهو يعلم في بيئة غير آمنة من ناحية وجود متطلبات السلامة والتعقيم وغيرها، مجاملة لمالك المركز/ العيادة الخاصة.
رابعاً: هل يأتي ذلك على حساب المريض في المستشفى الحكومي؟ مثال: نسمع عن الشكوى المتعلقة بتأجيل مواعيد المرضى بالمستشفيات الحكومية بسبب عدم تواجد الطبيب أو إيكال مهام متابعة المرضى إلى متدربين دون إشراف حقيقي وفعلي من قبل الاستشاري السعودي، إلخ. أو التهرب من تحمل الأعباء الطبية والتدريبية الطبية لأجل التفرغ للقطاع الخاص.
خامساً: هل يعمل الطبيب السعودي بالقطاع الخاص وفق عقود واضحة وبوالص تأمينية تراجعها وتقرها الجهات المعنية كهيئة التخصصات الصحية ووزارة العمل ووزارة الصحة، أم أنه يعمل وفق اتفاقات شفوية وعقود غير موثقة وكأنه سارق أو عامل يتم إحضاره من الشارع خفية عن كفيله؟ من يعمل في الخفاء فهو يعلم أنه يخالف النظام وغير قادر على تحمل المسؤولية الأخلاقية وقد يخل بالمسؤولية المهنية والنظامية تجاه المريض. عمل بغير عقد يعني الفوضى وضياع الحقوق...
سادساً: هل هناك تعارض أياً كان نوعه في المصالح بين العمل في القطاع الخاص والقطاع الحكومي أو التعليمي؟ وهل يؤدي ذلك إلى تقصير في واجبات الطبيب المهنية تجاه مرضاه وتجاه النظام الذي يعمل في إطاره؟ مثال: عندما يعمل الطبيب على استقطاب المريض من العيادة الحكومية للخاصة، فذلك تغليب للمصلحة الخاصة، على حساب التزامه المهني بتقديم أفضل خدمة صحية من خلال الجهة التي منحته الثقة وقامت بتوظيفه ومنحه الميزات المالية والتقاعدية وغيرها.
سابعاً: هل يخل الأمر بمسؤولية الطبيب الاستشاري أو أستاذ الجامعة في تكوين القدوة الصالحة للأجيال القادمة؟ أم أنه يقدم لهم نموذجا مختلفاً عن ما يدرسه لهم من أخلاقيات وكأنه يعلمهم الانتهازية واعتبار مايدرس لهم مجرد حشو للاختبارات؟
إذا؛ لا نحسد الممارس الصحي، طبيباً كان أو غيره، من العمل والدخل الإضافي، لكن نطالب بالتشريعات والنظم والممارسات والمبادئ التي مثلنا لبعضها أعلاه. يهمنا في النهاية مصلحة المريض ويهمنا توفر النظام العادل والصارم الذي يحكم هذا الأمر. نطالب الطبيب بسؤال نفسه الأسئلة أعلاه، حتى لا يقع في فخ تجاوز المسؤولية الأخلاقية والمهنية والنظامية لمهنته الطبية.