لم نكتب عن وزير الصحة الأسبق الدكتور حمد المانع بعد إعفائه من منصبه، وهذا أمر طبيعي لأن الكتابة عنه كانت بحكم تقلده منصباً عاماً. لكن معاليه يأبى إلا أن يعود لنقطة الضوء، ليس بصفته وزيراً هذه المرة، ولكنه بصفته كاتباً. نكتب هنا عن كتابه الذي عنونه بـ «لكم وللتاريخ: سيرة وزارية صريحة» وذلك أمر طبيعي أن يتعرض العمل الكتابي للنقد والملاحظة. الكتاب من أول نظرة بدأ لي عنوانه وغلافه مستفزاً، بوضع صورة المؤلف مكبرة على الكتاب وخلفيتها صورة الحجاج صغاراً وبالعنوان «هو لكم» وكأننا القراء على خلاف مع المؤلف ونجهل التاريخ. بحثت عن سيرة أو تحليل معمق لسيرة إدارية وزارية، تأخذني لعمق دهاليز الإدارة، فما وجدت سوى سيرة مرارة، تنطق بها فصول الكتاب. المرارة التي لم يشفع الزمن بسنواته الخمس في تقليص حدتها. بدءاً من دوافع تأليف الكتاب والمتمثلة في إحساسه بأن هناك من يزور الحقائق وينسى التاريخ الحقيقي، وهو ما تطلب من المؤلف التصدي بنفسه لمهمة توثيق المنجز وتوضيح الحقيقة. يقول المؤلف «إن شر الرواة أولئك الذين يكذبون على شخصيات عامة... وقد خرجت من هذه التجربة بدرس فحواه أن خفافيش الظلام ليسوا مجرمين قتلة فقط، بل فيهم من يظهر للناس بوجه جميل أو بصوت حان عبر صحيفة أو قناة أو إذاعة؛ فقد تعددت الخفافيش والظلام واحد!» أعلم أنني لست مخولاً بتمثيل الإعلام، لكن الغريب أن الدكتور المانع حمل الإعلام جزءاً كبيراً من أسباب إعفائه من الوزارة، وهنا أسأل ماذا يريد المسؤول - والمانع هنا مثالاً- من الإعلام؟ هل يريد أن يتخلى عن واجبه في النقد ونقل صوت المواطن الذي لم تصله الخدمة الحكومية كما يجب؟
الإعلام فيه السلبي والإيجابي كما هو الأمر في العمل الصحي، لكن السيرة الوزارية، التي بين أيدينا، تحاملت على الإعلامي وصورت الصحي وكأنه كان ممتازاً لولا تأمر خفافيش الإعلام عليه. وفي نفس الوقت لم تحكي لنا قصة واحدة إعلامية متكاملة وبشكل موضوعي بعيداً عن الانفعال، في هذا الشأن. الجانب الآخر البارز في الكتاب يتمثل في لغة المرارة نحو خلفه، وزير الصحة السابق الدكتور عبدالله الربيعة. ولم يكن ذلك مجرد تلميحاً، بل كان واضحاً في أكثر من نص وكأن معالي الدكتور المانع يرى بأن خلفه لم يقدر تاريخه وإنجازاته، وحاول هدم كل ما بدأه من خطوات تطويرية. لم نتعود من وزير سابق انتقاد خلفه بشكل علني، وصل حد تضمين الكتاب -بشكل يدعو للتساؤل- خطاب وزاري سري، وقعه الوزير الخلف. ما الذي جعل المانع يفعل ذلك؟ هل هو مجرد إحساس بأن تاريخه كوزير للصحة يضيع وينساه الجميع، أم أنه يلمح ضمناً بأن خلفه تسبب في عزله من منصبه؟ لماذا لم يكتف بالحديث عن تجربته دون تتبع ما حدث بعدها؟
أعلم أن كثيرين لم يحللوا مضمون كتاب الدكتور المانع كتقدير لوزير سابق له بصماته وإنجازاته. وربما يتردد المحرر في نشر هذا المقال باعتباره لا مصلحة ترجى من ورائه. هنا أوضح أنني لا أكتب عن المانع الوزير، وإنما عن مؤلف نقرأه ونفند بعض محتواه كما نفعل بأي كتاب أو مؤلف آخر، وكما يفعل بمقالاتنا ومؤلفاتنا الآخرون. بما فيهم د. المانع الذي نرحب بحواره وسجاله على صحيفة الجزيرة في موضوع كتابه أو غيره من المواضيع، باعتباره أصبح زميل حرف ومؤلف ننتظر أن يثرينا برأيه وخبراته.