تروي لي طالبة جامعية من أقربائي تمضي هذه الأيام في فترة تدريب بأحد المستشفيات الخاصة، عن قصة عشرة أطفال لديهم إعاقات بسيطة، وطفلة واحدة بينهم تعاني من تشوه خِلقي في الأطراف، أنهم قد تم تحويلهم من قِبل مستشفى حكومي إلى هذا المستشفى الخاص للبقاء فيه بعد أن تم رفضهم من قِبل أهاليهم، وتذكر لي أن هؤلاء الأطفال لا يتلقوّن أي علاج وليسوا مرضى، وأنها زارتهم وزميلاتها وبدأوا يقضون معهم أوقات الاستراحة، وتشرح لي كيف فرح الأطفال بها وزميلاتها فلا أحد يطرق أبواب حجراتهم سوى ممرضات المستشفى.
قلت لها: ما أقسى قلوب أهاليهم. ثم بدأت أسرد لها حكاية «كارِن» وهي سيدة أمريكية أتابعها عبر تطبيق انستقرام، هذه المرأة أنجبت طفلاً لديه إعاقة وتوفي قبل أن يكمل عامه الثالث، فقامت مع زوجها آدم بتبني ثلاث أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة تربيهم وسط طفليها وهي الآن حامل ستنجب الثالث بالطريق، لكنها لا تقول إنها ستنجب طفلاً ثالثًا، بل تكتب على حسابها أن السادس في الطريق، تضع هذه المرأة كل يوم صور وفيديوهات قصيرة للقطات مختلفة من حياتهم الجميلة، ترعى الأطفال الذين تبنتهم وتسجل دومًا ضحكاتهم وأفراحهم ورحلاتهم وأشكال السعادة التي أضافوها لحياة هذه الأسرة.
هذه المرأة وزوجها وضع الله -سبحانه وتعالى- الحب والعطف في قلبيهما بينما انتزع الحب والحنان والخوف من الله عن قلوب أسر الأطفال العشرة المنومين بالمستشفى لأن أهاليهم لا يتقبلون وجود طفل معاق لديهم حتى وإن كان من لحمهم ودمهم، بينما السيدة الأمريكية رحبّت بوجود أطفال ليسوا من لحمها ودمها وترعاهم بكل حب وحنان.
في الواقع، وبعد سماعي لكثير من القصص المرعبة في تعاطي -بعض- الأسر مع أبنائهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبعضهم شاهدته بنفسي، من رفض وإيذاء وعنف ونبذ وحرمان عاطفي وحبس وعزل وغيره من التصرفات السلبية النابعة من قلوب لا تعرف الحب، أجد أن أسر الأطفال العشرة اختصروا الطريق، فقد يجد هؤلاء الأطفال مشاعر عابرة من محبة أو شفقة أهون بكثير من بقائه داخل منزل مؤذٍ بكل المعايير، وهذا الكلام تناولته أيضًا كثير من الأبحاث والدراسات النفسية والاجتماعية والصحية، واعتبار هذا الأمر بمثابة ظاهرة لدى بعض الدول العربية، خصوصًا داخل الأسر ذات التعليم المحدود، مع أن هذا ليس معيارًا إذ قد تحدث اساءات نفسية وبدنية لذوي الاحتياجات الخاصة كذلك داخل أسر متعلمة، وأنا بنظري أن الوعي منفصل تمامًا عن التعليم.
حكاية إهمال المعاقين ورميهم داخل غرف المستشفيات يحتاج إلى استنهاض أخلاقي وإنساني، وعمل دراسات على هذه العائلات غير السوية.
بقي أن أذكر لكم سؤال قريبتي لي، بعد أن انتهيت من سرد حكاية كارِن وآدم، قائلة: هل تتوقعين أن أهالي الأطفال الذين رأيتهم بالمستشفى سيدخلون الجنة لأنهم مسلمون، وكارِن وزوجها سيذهبون إلى النار لأنهم غير مسلمين؟!