تروي لي سيدة مطلقة، أن سبب طلاقها هو اكتشافها إدمان زوجها على محادثة النساء عبر الإنترنت، وأنه يجلس معزولاً طوال اليوم عن بيته وأطفاله. فقلت لها: قد تكوني ظلمته، فليس بالضرورة أن يكون جلوسه وقتاً طويلاً على الإنترنت هو بهدف محادثة النساء. فذكرت لي أنها تسللت إلى جهازه لمعرفة «يوزراته» وقامت بالتواصل معه دون أن يعرف شخصيتها، وأنها مضت في محادثته عدة أيام، لدرجة أن طلب مشاهدة جسدها عبر الكاميرا، ففعلت. تقول: «كان يتغزل بجسدي الذي يراه عبر الكاميرا، ويسهب في معانقته بالكلمات الجميلة، وفي الواقع كان دائمًا يقلل من جمالي وشكلي وجسدي، وكثيرًا ما يعايرني بما حدث له من تغييرات بعد الولادة». وتكمل: عندما أتى وقت المواجهة جعلته يرى وجهي بالكاميرا ثم أنهيت علاقتي به.
مشكلة -بعضهم- هو الاعتقاد أن شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي قد وُجدت للتعارف غير البريء، واستغل أناس هذه التقنيات لممارسة الخيانة الإلكترونية، وهي شكل من أشكال الخيانة ولا تختلف عن الواقع، بل قد تكون إحدى الوسائل التي تؤدي إلى تسهيل ممارسة الخيانة على أرض الواقع. هذه المواقع فكرتها تدور حول التقارب والمشاركة بالآراء المختلفة، ومعرفة ما يحدث حول العالم في وقته، لكن لكل إيجابي وجوه سلبية بيد كُلّ منّا التعاطي مع الشكل الذي يناسبه، واستغلال هذه الثورات التكنولوجية في هذه الممارسات السيئة، وليس صحيحًا أن البيوت لا تتأثر وأن العلاقات لا تفسد، فالمثال أعلاه الذي ذكرته عن تلك المرأة هو للاستدلال على التعاطي السلبي لهذه التقنيات، التي أظهرت عيوب زوجها وأوضحت الخلل النفسي الذي يعاني منه.
العيب ليس في التقنيات ولا في المواقع، بل هي ساهمت في إيضاح عيوب -بعض-الناس، فمن الخطأ إيقاع اللوم على هذه المواقع أو القول بأنها السبب الرئيسي لهذه الخيانات، لأن الشخص الذي ينوي إيقاع الألم بشريكه سيُفكر بكافة الطرق والأساليب التي تساعده على هذا، فالمشكلة إذن في الأشخاص، ومن البداية في بناء العلاقات واعتمادها على الحاجة الفسيولوجية منذ التفكير في الزواج، إذ إن هناك من الأشخاص من ينظر إلى مؤسسة الزوجية كنمط للإيفاء بالحاجات الجسدية، وهذه الحاجة تنقضي سريعًا بعد الزواج إذا لم تكن مُدعمّة باحتياجات أخرى ومشاعر مُركبة تساهم في ثبات هذه المؤسسة وبقائها قوية، دون الحاجة لأطراف أخرى وارتكاب خيانات إلكترونية أو واقعية تشق أركان البيت وتضعفه إلى أن يزول.
العلاقة بين طرفين دائمًا تحتاج إلى التجديد لضمان استمراريتها وعدم وقوع طرف في تصرفات سلبية تُسيء إلى الآخر، ليس فقط في العلاقات الزوجية، بل حتى في علاقات الصداقة، والآباء بأبنائهم، والعكس. فهذه العلاقات الطويلة تتسم بإيقاع واحد ورتم يصبح مُملاً مع الأيام، والتجديد يمنح العلاقات طابع متغير يجعل الإنسان يظل معها مشدوهًا عن البحث على علاقات أخرى، يبحث فيها عن التغيير!