لا أظننا نرى عقداً تم التوقيع عليه، إلا ويحدث معه مشكلة بين الطرفين، لا تكاد ترى (اتفاقية) أياً كان نوعها وشكلها ومجالها إلا وتخرج من رحمها مشكلات معقدة بين المتعاقدين، صور تضعك في دوامة من الأسئلة، لماذا يحصل هذا؟ وكيف؟ ولمصلحة من؟
وفي الوقت الذي نصف فيه مجتمعنا بأنه مجتمع (ممتاز) تجد مشكلات الحقوق لا حصر لها، هذا يأكل حق هذا، وذاك يماطل، وأولئك يتهربون، والآخر يقفل جواله، حتى قيل إذا أردت أن (تفرّق) بين صديقين فاكتب بينهما عقداً.
ومع أن العقود فيها حبال غليظة لا تنفك منها (الرقاب) بسهولة، إلا أن تجاهلها بين الطرفين أمر في غاية السهولة، لتصبح مجرد حبر على ورق، وإن أحسنا الظن، يحيطها أحد الطرفين بتأويلات يصبح فيها العقد (لاغياً) أو أنه يطبق العقد حسب فهم ذلك الطرف المتجني على صاحبه.
والمشكلة لا أظنها في محتوى العقد، بقدر ما هي ثقافة منتشرة، فكلما كان (طرف ما) قادراً على (التملّص) من العقد، عُدّ ذلك (ذكاء) و(دهاء) و(حسن تصرف)، وكلما صيغ العقد بشكل يتيح منافذ يهرب منها أحد الطرفين، كان ذلك (مكراً محموداً) لدى الثقافة السائدة.
لا يوجد في الأفق - حتى هذه اللحظة - حلٌّ لمشكلات العقود، ولا تغير في الثقافة، ولا بحث لهذه القضية التي أقضت مضاجع الشركاء، وأشغلت المحاكم والقضاة، لدرجة أن كل طرف يكتب عقداً، يتوقّع أن تنشأ قضية معه، بل إنه يضع له محامياً بجواره يستعين به في ساعة (العُسرة).
بات العقد (مرعباً) في ثقافتنا لكل الأطراف، وهماً لا ينزاح حتى ينتهي العمل به، ولا نعلم كيف تسير أعمالنا (المعقودة ) بين الأطراف، لندرة الدراسات المعنية بهذا الأمر، ولكنها -على أي حال- ثقافة معطّلة ومرهقة ومقلقة.
عندما نقارن بين هذه النتائج, وبين قوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُم}، نفهم شيئاً واحداً أننا مجتمع كباقي المجتمعات لا يضبطنا إلا القانون الصارم، ولسنا كما نصف به أنفسنا بأفعل التفضيل.