حالة يأس تصيب من لا يجد مستمعاً لقصته الجديدة القديمة، أو قضيته الشخصية أو العامة المعهودة والمعادة في الكثير من الإدارات الخدمية المعنية بشأن الجمهور وفي لغتنا «المراجعين» المتمثلة بصرف الانتباه إلى أن هناك من يعتني بأمره، ويتابع مطالبه.. تلك التي تتجسد في «نغمة» ترافق إحالة طلبه أو شكواه أو اعتراضه إلى «المختص» أو «الجهات المختصة» التي ينتظر منها الكثير من أجل إنجاز متطلبات أي عمل بأقصر السبل وأسلمها.
فحينما يُعقب أي شخص على أمر من أموره ومطالبه، ويسعى إلى إنصافه، أو انتزاع حقوقه، أو حتى الوصول إلى شخصية إدارية معنية يتوسم فيها أن تبين له ما هو عليه من حق أو سواه.. فلا يجد أمامه كخطوة أولى إلا عبارة أو مقولة « أحيلت إلى المختص».. فكيف إذاً يتفاعل صاحب الخدمة مع هذه المقولة ويدرجها ضمن سلوك إداري منطقي مقبول؟ لا يجعله في وادٍ، والحل في واد آخر، وذلك من قبيل المماطلة والتسويف وعدم الجدية في إبانة المواقف وتوضيحها.
وطالما أن التصديق بأمر الاختصاص والتخصص من السمات المقبولة والمظهر الحضاري، إلا أن بعض المطالب في أحايين أخرى تدار في هامش التريث، و»الركادة» و»أمر الله من سعة»، وقراءة الموضوع من زوايا متعددة قبل أن يتم البت فيها، ليكتشف البعض أن مظاهر هذا الاختصاص هي مجرد هروب من الموقف، أو تعويمه، أو إضافة تعقيدات جديدة حتى تصبح المسألة بحكم المنتهي دون قناعة من صاحب الحق أو المطالب به.
هناك من يشير بيأس أن نغمة «المختص» باتت كنغمات الهاتف الجوال أو الوسائل الجديدة، فرغم وفرتها وتنوعها إلا أنها تعني إشارة واحدة.. فكل جهة خدمية تتظاهر بأن لديها من المختصين ما يكفل نجاح العمل وسرعة تنفيذه بشكل قياسي، لكنك حينما تعايش التجربة ستكتشف عدم نجاعتها، مما قد يعزز القناعة لديك بأن أمر إحالة طلبك إلى المختص ما هو إلا للمزيد من الانتظار.
وقد يُلحظ أن هناك استسهالا واضحا لكلمة المختص في الكثير من الخدمات حتى باتت هذه الفكرة مجرد ارتباط بمفردة التميز والمهارة ولم يعد يُمَيَّز بين ما هو جيد ورديء بسبب هذا الاستخدام المفرط لكلمة مختص أو ماهر، أو خبير كبير وما إلى تلك الأوصاف التي يصعب تحديد سندها الموضوعي.
حتى رسائل الهاتف الجوال، والبريد وما يحويه من ردود إليكترونية حول بعض الإجراءات والمتابعات التي ترد فيها: «تم إحالة طلبك إلى المختص» لينتظر يوما أو يومين، أو شهرا أو شهرين، أو أكثر حتى يكل المتابع «المعقب» أو يمل ليقدم طلبا آخر يعيد فيه الكرة ولاسيما حينما يدعمه ببعض المحاولات والفيتامينات والمقويات، لترسخ قناعة ما بأنه ما لم يُدعم بمثل هذه العناصر فإنه سيسلك طريقه إلى «المختص المزعوم».. (وكأنك يا أبا زيد ما غزيت)، فمن يحيلنا إلى «المختص» لا شك أنها جهات لديها مستويان متناقضان في الخدمة، فإما أن تكون بالفعل مميزة وتمتلك العناصر الإدارية والفنية التي تجعل منهم مختصين كل في شأنه ليقوموا بدورهم بكل رقي وتميز، أو أن تكون جهات تعاني من سوء في التنظيم مع ادعاء بوجود المختص، تحيل إليه المراجع أو صاحب الخدمة، ليكتشف أنها مجرد مماطلة وتسويف ودخول في دورة بيروقراطية تبدأ وتنتهي بالأرشيف والأختام ورقم الصادر والوارد، وتشفع عادة بمقولة: «راجعنا الشهر القادم»