عُقد قبل أيام في العاصمة الرياض الملتقى الأول للمسرحيين التربويين الذي نظمته إدارة التعليم بمنطقة الرياض، وحضره وشارك فيه إضمامة من المهتمين بالعمل المسرحي من بعض مناطق المملكة، إضافة إلى تربويين ومنسقين للنشاط الطلابي بإدارات التعليم، والمتفاعلين مع هذه الخطوة من منطلق الحرص على تقريب العمل المسرحي إلى المجتمع من خلال التربية والتعليم، وهذا هو الأمر المهم والحيوي في هذه الفكرة.
وحينما يشير عدد من الباحثين والدارسين لشؤون المسرح إلى أن المشكلة أو الصعوبة تكمن فيما هو قائم من مؤسسات المسرح وأقنيته المحدودة جداً، نظراً لقلة الاهتمام، وغياب الدعم المادي، وعدم تأهيل المسرح الاجتماعي، وهجمة شبح الخوف والتوجس من فكرة المسرح والأضواء والمؤثرات الصوتية.. تلك التي لها علاقة بقيمه وفنياته.
فالمسرح التربوي أو التعليمي أو المدرسي بمختلف تسمياته ومستوياته يعد منطلقاً قوياً وفاعلاً في بناء علاقة المسرح بالناس أو المجتمع، وهو القاعدة التي تبرز دوره في حياة الأمم والشعوب باعتباره حالة إنسانية غاية في الأهمية حينما يتم تشخيص الخلل وعلاجه من خلال نقد الذات وتوجيهها بأسلوب حاذق وبلغة مسرحية ساخرة وفكاهية، تهدف إلى تحقيق معادلة المتعة والفائدة من المسرح، وهو «أبو الفنون» على مر العصور.
فتبسيط العمل المسرحي، وجذب الجمهور له، وتقديم الرؤية الفنية الحاذقة سبب من أسباب نجاحه وانطلاقه وتحقيق أهدافه، إلا أن ما يواجهه هذا اللون الفني هو محاولات تغييبه، أو التقليل من شأنه، أو جعله من قبيل الحالة «اللا صفية» خارج المنهج التعليمي وعرضه بطريقة وعظية لا تضيف شيئاً للمجتمع وذائقته.
محاولات كبيرة بذلها فريق العمل في هذا الملتقى، عايش فيها المنظمون أدق التفاصيل، واستطاع أن يقدم رؤية متميزة عن متطلبات المسرح الاجتماعي الذي يتوق إلى مزيد من التنسيق بين الجهات المعنية كالتربية، والتعليم العالي، والإعلام والثقافة والكُتّاب وأسرة المسرح والعاملين فيه، أو كما يذهب إليه منسق هذا الملتقى المسرحي الأستاذ عبدالهادي القرني الذي لا يزال يعمل من أجل أن يكون للمسرح التربوي دور في بناء ذائقة المتلقي من خلال هذا الفن، ووفق رؤية استلهامية تتمثل في أن يمتزج التمثيل المسرحي بوسائل الترفيه لضمان إيصال الفكرة الواعية عن المسرح الاجتماعي الذي يرى «القرني» أنه بات ضرورة ملحة لإنقاذه وإعادته إلى الحياة التعليمية.
وأكد المسرحي فهد ردة الحارثي - وهو الشخصية المسرحية المكافحة والجادة في مجال مسرحنا الاجتماعي - على أهمية رد الاعتبار للمسرح المدرسي. وعلي السعيد كان له رؤية لا تخلو من قلق المرحلة حينما أشار إلى أن التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي تعد من أصعب التحديات التي تواجه المسرح المدرسي.
الملتقى، ومن خلال ورقته الأخيرة «مؤثرات الجمال المرئي والصوتي في المسرح التربوي» - ورقة ماهر العامر، كشف أن هناك هوة ما تنشأ بين المتلقي للمسرح المدرسي والعاملين فيه، حينما تكون العبارات الجمالية في هذا السياق لدى منتقدي فكرة المسرح المدرسي محمولة على صيغة إقصائية، لا تؤمن بالمسرح أصلاً، أو أنها تريد أن تجتزئه بأسلوب إلقائي وعظي، وربما هذا هو التحدي الأصعب الذي يواجه العمل المسرحي منذ حين.
الملتقى بحق فكرته جميلة، وتوصياته مهمة، والأفكار التي تمخض عنها جدير بها أن تتفاعل، لخلق رؤية مسرحية مدرسية تنهض بهذا الفن، وتعيد له دوره ومكانته في بناء الذائقة، وتحقيق المنجز الإنساني الرائد في حياة المجتمع.