* * لا تُقرُّ قوانينُ الكون باتفاقِ الشيءِ ونقيضِه؛فلا يلتقي الإيمانُ والكفرُ والنفيُ والإثبــاتُ والحبُّ والبغض، ومن تكن وجهتُه السماءَ فلن يحفــلَ بتعرجاتِ الأرض،ومن رأسُه دائريٌ غيرُ من يحمل رأسًا مربعًا،ويهجسُ بالشعرِ من يرتقي السَّحاب ولو كان موقعُه القاعَ فكأنه متمردٌ يخترقُ الآفاق مثلما يحفر الأنفاق ويقودُ النقائضَ فيمدحُ ويقدح ويدنو ويجفو ويتولى ويتخلى ولا يعني أكثرَهم أن يوسمَ بالنفاقِ والارتزاقِ وأن تتصادمَ الثوابتُ في ذاته كما صفاته.
* * لدينا من يتأرجحُ ورجلاه في الأرض، ومن يقفز ومِظلته مغلقة، ومن يجيدُ التلونَ والتمثيلَ فهو السيدُ والخادمُ والمحسنُ والمسيءُ، ومن يلعبُ دورَ الحاوي بإتقان؛فهو ليبراليٌ وشيخٌ وثوريٌ ومحافظ ووطنيٌ وإقليميٌ وسنيٌ وشيعيٌ، ويومًا وصفوا الشيخ نجمَ الدين الطوفيَّ المعروف بنظرية تقديم المصلحة على النص بأنه « حنبليٌ رافضيٌ أشعريٌ» وأكمل القائلُ بأن «هذه إحدى العِبر».
* * ربما كانت تلك عبرةً في القرن الثامن الهجري حيث عاش الشيخُ المصريُّ المختلفُ حوله لكنها توشكُ أن تكون القاعدةَ اليوم، وبتجربةٍ يسيرةٍ راصدةٍ فاحصةٍ فإن فينا من يدورُ في آرائه كيفما تديرُه رياحُ المصلحةِ أو الإملاءات فيبدل ما كتبه أمس ويعلل ما يعتنقه اليوم ويتحول عنهما غدًا وقد يعودُ إليهما بعد غدٍ، والإثباتُ يسيرٌ في زمنٍ شبكيٍّ لا يكادُ يغادرُ توثيقًا فيسهل التسجيل والتحليل وقراءة المتناقضاتِ التي لا يتوافرُ لها شروط مرحلية الفكر المشروعة.
* * قد ينتقلُ المرءُ بين الكفر والإيمانِ باقتناعٍ منهجيٍّ مبررٍ وما دون ذلك أكثرُ تمثلًا في حياة البشر، لكن المبدئيةَ التي نُعيت في أوساط الساسةِ والكتبةِ لا جذور لها فتتمايلُ وتُميل ليبدوَ اليمينُ يسارًا والشمالُ جنوبًا والبرُّ فاجرًا والإنسانُ بهلوانا.
* * والبهلوان تفتحُ نافذةً أخرى فقد عنون به شاعرُنا الراحل سليمان العيسى نصًا له انقلب فيه على إعجابه السابق بعبد الناصر ووجد بعضُ أصفيائه في هذا التحول ما ساءهم فأعلنوا موت صديقهم الشاعر وقطعوا صلاتهم به،وبمقدار مبدئيتهم فإن شخصنتهم أخرجتهم من دوائر الانتماء الثابتة إلى مداراتها المتغيرة ؛ فالشخصُ خاضعٌ لقراءاتٍ متبدلةٍ وفق ما يطرأُ أو يجدُّ من مواقفَ ومعلوماتٍ ما دامت غير مرتبطةٍ بشراء الولاءات بين طارفٍ وتليد.
* * المبادئُ لا يختصرُها موقفٌ كما لا تقودها مصلحة،والمتمايلون تُطيح بهم الرياحُ ذاتُها التي حركتهم وينتهون في حسابات القيم، والكتابةُ شاهدٌ قاسٍ لا تبلى ذاكرتُه،ولو اتجه منتجٌ إعلاميٌ لرصد التناقضات القوليةِ في مجتمعات السياسيين والمثقفين لقدَّم برنامجًا جماهيريًا قويًا،وعالج مشكلات الميل مع الهوى.
* * التأريخ لن يعبأَ بالمتلونين ومن يحرقون بخورَهم كي يرتزقوا منها فتضوعَ روائحُهم للغادين والرائحين غيرَ عابئين بغير ارتقائِهم كراسيَّ أعلى من قاماتهم بالمقاس الماديِّ المجرد، وسيحتفظُ السجلُّ الشرفيُّ بمن يَصدقون مع ضمائرهم اليقظةِ فيزنون كلماتهم ويتزنون في مواقفهم فلا يُرون مهرِّجين أو مبرمَجين.
* * المبدأُ طُهر.