- تبدو الساحة الثقافية طاردة أو مملة؛ فلا تكاد أسماؤها تستقر حتى تفر، ونفتش عن علامات مميزة في مسيرتها، فنجدنا خالين من أبرزها.
- يعم إحساس (عدم الجدوى) كثيرين أيقنوا أن لا مكان لهم، أو لا مكانة تليق بهم؛ فهجروا أو هاجروا، وإن بقوا داخل الوطن؛ فلعله هجر الإحباط، أو لعلها هجرة الانكفاء؛ منصرفين إلى ما يرون فيه معاشهم، أو ما يقدمونه لمعادهم.
- والغريب أننا - المتلقين عنهم - نرتضي انزواءهم دون أن نبحث عنهم، أو نتكلف دراسة أعمالهم، أو نحاول - على الأقل - دعوتهم للمشهد حين تكون مناسبة، أو نفكر بتناسب يقيل عثار التيارات، ويختصر احتدام الصراعات.
- لكم أن تسألوا الجيل الناشئ عما يمثله لهم صوت شاعر بحجم (عبدالكريم العودة)، ولن نفاجأ إن جهلوه، ونأسى لأننا تجاهلناه، وقد كتب أستاذنا الكبير عبدالفتاح أبو مدين - قبل أسابيع في (الثقافية) - عن نمطية التكريم الذي يختصر فيه الرواد؛ فلا يتجاوز درعا تقدمه المدارس الإعدادية لطلابها، وهو ما يعني - في المقلب الآخر - إهمال الأجيال التي تهمل حتى من هذه الهدية الرمزية الباردة.
- عبدالكريم العودة شاعر وكاتب وصحفي ومحرر ثقافي: «أورقت في عيون خيله آمال مسرجة؛ فأقلتها هضاب نجد، ومنحتها الجبال السمر لهفتها، وضجت الأرض بالأسرار»:
(تودع في عذوق النخل سر الصرخة الأولى
تمر بنا الخيول الحمر مسرعة، وقد وردت
على ماء ببادية الحجاز
فهفت الأوراق للفرح الرسول)
- هذا النخل من جازان.. من نجران.. من بوابة الأحساء، من نبع بأطراف القصيم جرى فكان الشعر).
- عبد الكريم العودة الغائب في حضوره، الحاضر في غيابه، لا يكاد يبين، وهو الفصيح الصريح، وإذا احتمل مسؤولية توقفه فليتنا نسعى لاستعادته، ونادي القصيم، وصاحبنا ابن بريدة، مطالب بأن يعمل شيئا لجمع نتاجه المنشور، وإضافة المنثور، وعقد ندوات وأمسيات له وعنه كما أمثاله من المتوارين.
- عبدالكريم اختار هجرته الطوعية (الداخلية)، ووجد في التعامل مع التقنية وتصميم المواقع شيئا من السلوى، ورغم دعوته للكتابة فقد أنس بوحدته وعزلته، دون أن نأنس نحن؛ فلعل نادي مدينته ومنطقته ينجح في فك الحصار (الذاتي) عن مبدع من أجمل مبدعي السبعينيات والثمانينيات.
- شح بنفسه، وشحت المعلومات حوله؛ فاكتفت (إمضاء) بالإيجاز، وتنتظر من سواها التفصيل.
- الإبداع ضياء لا ضياع.
** ** **
* من كتاب «إمضاء لذاكرة الوفاء» (2012م) وكانت قد نشرت في (الثقافية)بتاريخ 11-6-2009م