يقول المفكر والأديب الألماني يوهان جوته (نحن الألمان نقع بسهولة كبيرة في فخ الغرور المتحذلق عندما لا ننظر أبعد من الدائرة الضيقة المحيطة، وإذا كنا فعلاً بحاجة إلى نموذج علينا العودة دائماً إلى الإغريق القدامى الذين يتجسّد جمال البشرية دائماً في أعمالهم).
بالطبع هذه المقولة تعود إلى القرن الثامن عشر حيث عاش أحد أكبر أدباء ألمانيا وشعرائها
( ولد عام 1749 وتوفي في 1832م ). لكنها عقلية مفكر وأديب ينسب الفضل لأهله، هذا الأديب بالمناسبة عشق الشرق والعربي منه خاصة، ألم يصف اللغة العربية بقوله (ربما لم يحدث في أي لغة هذا الانسجام بين الروح والكلمة والخط مثلما حدث في اللغة العربية وأنه تناسق غريب في ظل جسد واحد). عندما يتسع أفق المرء فإنه يقبل على الثقافات الأخرى ويحترم ويمتدح السامي والجميل منها دون تحيز أو تعصب، وجوته ينسب في مقولته عن اليونان الفضل إليهم كملهمين للحضارة والثقافة الغربية، وكمنظري فلسفتها وديمقراطيتها إلى يومنا هذا، وما أفلاطون ونظرياته السياسية في كتابه (الجمهورية)، وأرسطو ونظرياته في العقل والمنطق إلا أمثلة للتأسيس الإغريقي للحضارة والثقافة الغربية على امتدادها إلى يومنا هذا.
انجيلا ميركر المستشارة الألمانية وإحدى أقوى الشخصيات النسائية بل والقيادات السياسية عموماً في وقتنا الحالي، يبدو وكأنها تأثرت بحكمة سلفها جوته، حين أصرت على الوقوف بجانب اليونان في محنتها الاقتصادية وتقديم الدعم المالي من قبل الاتحاد الأوروبي عموماً والتي تمثل ألمانيا درة تاجه ومن قبل ألمانيا خصوصاً. ومعلوم أن الاقتصاد العالمي مترابط بعضه ببعض ويؤثر انهيار دولة كاليونان على أوروبا ككل ومن ثم على باقي دول العالم وبدرجات متفاوتة بالطبع، حسب الاستثمار والتبادل التجاري ومكانة كل دولة اقتصادياً.
إذا هو الاتحاد الذي يشكل الاقتصاد أساس هرمه، لأنه المؤثر على باقي طبقات الهرم السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها، لكن يظل لليونان كمهد للديمقراطية والفلسفة مكانتها في رأيي لدى الضمير الجمعي الغربي عموماً.
بالطبع أزمة اليونان الاقتصادية والتي كادت أن تؤدي بها إلى الإفلاس نتيجة تراكم الديون والعجز عن السداد تحمل الكثير من الدروس والعبر التي لا يعجز عن استخلاصها عاقل، والمقام يضيق بتعدادها كما أحسب أنّ القارئ في غنى عن ذكرها. لكن يستوقف الإنسان العربي دقة التنظيم والتخطيط، إضافة إلى الصرامة لدى الاتحاد الأوروبي لإنقاذ اليونان اقتصادياً، وكذلك الواقعية والصحوة لدى اليونانيين والتضحية لقبول برنامج التقشف الصارم الذي طالبهم به نظراؤهم الأوروبيون لإخراجهم من أزمتهم والتي بالفعل بدأت اليونان في التعافي منها، بل إنهم يتوقعون بدء النمو الاقتصادي وفائضاً في الميزانية هذا العام !، برغم ما يعرف به اليونانيون من شوفينية وحب للذات يكرهون بها فرض الآخرين مثل هذا البرنامج الصارم، حتى وإن كانوا جيراناً أوروبيين معهم في الاتحاد. لكنها المصالح المشتركة والتفكير الاستراتيجي وبعد النظر. برغم الاحتجاجات ومظاهر السخط الشعبي التي لم ترضخ له الحكومة في أثينا مدينة الفلسفة والحكمة الإغريقية.
ترى متى نرى اتحاداً لدينا على هذا النمط، ونحن لدينا الإمكانات لتقليده تقليداً إيجابياً، خصوصاً وأن مجلس التعاون لديه البنية التحتية لهكذا اتحاد لعله في طريقه إليه بإذن الله كما دعا إليه الملك عبد الله سلمه الله، تمهيداً لاتحاد اقتصادي عربي ناضج. السعيد من وعظ بغيره، وحولنا دروس وعبر فليتنا نعتبر .. والله المستعان فليحفظكم برعايته.