لم يُعر ف عن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ممن كانوا تحت إمرته، أنه جاهد بدون إذنه، أوعلمه. وهذا المنهج هو مقتضى كمال العلم الشرعي، ومنتهى العقل الراجح، والحكمة في بيان الأمور. - ولذا - فقد جاء النص القرآني في التحريض على الجهاد للنبي - صلى الله عليه وسلم -، الذي هو ولي الأمر في ذلك الزمان، فقال - جلّ في علاه -: « يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال «، ووجه الدلالة من الآية، أن الله أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بحثّ أتباعه من المؤمنين على القتال، ولم يأمر المؤمنين بحثّ بعضهم بعضا، فتبين أن التحريض على القتال من خصائص ولي الأمر، وليس من خصائص غيره.
حسنا، إذا كان الأمر كذلك، فإن ما يميز الجهاد في سبيل الله وضوح هدفه، ووسائله، والتزامه بأحكام الشرع؛ من أجل حفظ اجتماع الناس، وكلمتهم، وسوادهم الأعظم، وعدم تفرق بيضتهم. فالجهاد لا يكون مرجع إقامته إلى الهوى، أو العقل، بل مرجعه يكون إلى الحجة، والدليل من الكتاب، وصحيح السنة، وذلك بفهم العلماء الراسخين في العلم.
وحتى يكون الجهاد شرعيا، لا بد من تحقق شرط إذن ولي الأمر؛ لأن أمر الجهاد منوط به، وعكس ذلك افتيات، وتعد على حدوده؛ لما قد يترتب عليه من المفاسد العظيمة. فولي الأمر إذن هو من يقدر الضرورة التي يراها في فقه الجهاد، وهذه القاعدة يجب اعتمادها عند النظر فيما يوجبه به، كالإذن بالجهاد من عدمه، حتى إن بعض فقهاء المالكية كتب في وصيته لبعض إخوانه، كما في مواهب الجليل ( 3 - 350 ) : « التوجه للجهاد بغير إذن جماعة المسلمين، وسلطانهم، سلّم الفتنة، وقلما اشتغل به أحد فأنجح «.
وعندما طرح بعضهم شبهة المراد بقولهم : « الإمام « الذي يقاتل تحت رايته في عصرنا هذا؟، أجاب - العلامة - محمد بن عثيمين - رحمه الله - في الشرح الممتع ( 8 / 9 _ 10 )، بقوله : « هو ولي الأمر الأعلى في الدولة، ولا يشترط أن يكون إماماً عاماً للمسلمين؛ لأن الإمامة العامة انقرضت من أزمنة متطاولة، والنبي - صلى الله عليه و سلم - قال : « اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي»، فإذا تأمر إنسان على جهةٍ ما، صار بمنزلة الإمام العام، وصار قوله نافذاً، وأمره مطاعاً، ومن عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، والأمة الإسلامية بدأت تتفرق، فابن الزبير في الحجاز، وبنو مروان في الشام، والمختار بن عبيد، وغيره في العراق، فتفرقت الأمة، وما زال أئمة الإسلام يدينون بالولاء، والطاعة لمن تأمر على ناحيتهم، وإن لم تكن له الخلافة العامة؛ وبهذا نعرف ضلال ناشئة نشأت، تقول : إنه لا إمام للمسلمين اليوم، فلا بيعة لأحد! - نسأل الله العافية -، ولا أدري أيريد هؤلاء أن تكون الأمور فوضى ليس للناس قائد يقودهم ؟ !، أم يريدون أن يقال : كل إنسان أمير نفسه ؟ !. هؤلاء إذا ماتوا من غير بيعة، فإنهم يموتون ميتة جاهلية- والعياذ بالله -؛ لأن عمل المسلمين منذ أزمنة متطاولة، على أن من استولى على ناحية من النواحي، وصار له الكلمة العليا فيها، فهو إمام فيها، وقد نصّ على ذلك العلماء، مثل: صاحب سبل السلام «.
نقطة، ومن آخر السطر، فإن الدعوة إلى الجهاد بدون إذن ولي الأمر، أوقع الأغمار في حبائل المحنة. وعندما يقرر علماء الأمة المعتبرون، أن استئذان ولي الأمر شرط، فإن الشرط يلزم من عدمه العدم، ويفسد - حينئذ - الجهاد. ومن يفتي بخلاف ذلك، فقد جمع إلى جهله المتناقضات التي لا تجتمع، ولا ترتفع، والمتضادات التي ترتفع، ولا تجتمع. وهذا المعنى هو الذي حذر منه عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء - الدكتور - صالح الفوزان خلال محاضرة ألقاها - قبل أيام - في جامعة - الإمام - محمد بن سعود الإسلامية، بأن : « ولي أمر المسلمين له الصلاحيات في إقامة الجهاد في سبيل الله، والغزو معه، وتحت رايته»، معتبرا أن: «التفرق، والاختلاف، هما شر على المسلمين، كما يحصل - الآن - من الثورات التي حصلت، وبرزت نتائجها».