للقلوب أمراض ماديّة، يدركها الأطباء بأعمالهم وتخصصاتهم، وتجاربهم ويصفون علاجها بما تيسّر لديهم من أمور عديدة، وقائيات وعلاجية، وأشهرها العمليات الجراحية، حسبما ظهر أمامهم من تجارب، وبان في أعمالهم من نتائج، ولذا نجد في عصرنا الحاضر،
اختصاصات عديدة، في أمراض القلوب، ومستشفيات منفردة لعيادات القلب وعلاج أجزائه، وجهوداً تُبذل في كليات الطب، ومراكز البحث لعيادات هذا القلب، وأمراضه: تشخيصاً ثم وصفاً وعلاجاً.
وهذا المرض المادي الذي يعتري القلب، هو ألم يحصل فيه، إما بسبب فساد الكمية أو الكيفية، لكن القلب يمرض مرضاً نفسياً، بألم يحصل فيه، كالغيظ من عدو استولى على الإنسان، فيشفي الإنسان غيظه، إذا تهيأ غيظه، فإذا تهيأت له الغلبة على ذلك العدو، كما قال سبحانه {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ويذهب غيظ قلوبهم} (التوبة آية 14 - 15)، فهذه الآية الكريمة تبيّن أن الله جلّت قدرته، قد شفى الفئة المؤمنة، بزوال ما حلّ في قلوبهم من ألم.
وجاءت تعاليم الإسلام بحدودها وزواجرها، لتشفي القلوب، وتطمئن الأفئدة، وتحمي المجتمع من التسلّط، إذ في القود استشفاء لقلوب أولياء المقتول، ونحو ذلك.
فهذا شفاء من الغمّ والغيظ والحزن، وكل هذه آلام تحصل في النفس، وكذلك الشك والجهل يؤلم القلب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، لما أخبروه: هكذا بأن رجلاً منهم، اغتسل بماء بارد فيه جرح، وهم مسافرون، عندما أصابته جنابة، فسألهم هل يجوز التيمم؟ فقال بعضهم لا نجد لك رخصة، وأنت تجد الماء، فاغتسل وانتكث جرحه فمات «هلاّ سألوا إذ لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
والشاك في الشيء، المرتاب فيه يتألم قلبه، حتى يحصل له العلم واليقين، ويُقال للعالم الذي أجاب بما يبين الحق، قد شفاني بالجواب «كتاب شفاء القلوب ص15).
والقلب يرتبط بالبدن ويؤثّر فيه، والبدن يتغيّر من جهة ما يعتريه من أعراض نفسية، وهي الأمور المهيجة له، والمؤثّرة فيه، مثل الغضب والفرح والضحك، والبكاء والغم والهم والخجل.
وأطباء العرب يرون أن الغضب، يسخّن البدن ويجففه، ولذا نجد في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهياً شديداً عن الاستسلام للغضب، وحثاً للنفوس الطاهرة بالابتعاد عنه، ووصف العلاج لتفاديه، والحذر من شروره.
ففي النهي الشديد عنه: روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أوصني ولا تكثر عليّ، أو قال: مرني بأمر وأقلله لي، كي لا أنسى، قال: لا تغضب. أخرجه البخاري ومالك في الموطأ.
وفي حث النفوس الطاهرة بالابتعاد عنه، روى معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: «استبّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، حتى عُرف الغضب في وجه أحدهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب غضبه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» قال: فجعل معاذ يأمره فأبى وجعل يزداد غضباً» رواه الترمذي وأبو داود.
وفي وصف العلاج لتفادي آثار الغضب، وشفاء القلب قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع» أخرجه أبو داود.
وفي اتّقاء شرّه يخبر أبو وائل القاص، قال دخلنا على عُروة بن محمد السعديّ، فكلمه رجل فأغضبه، فقام وتوضأ، فقال: حدثني أبي عن جدّي عطية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الغضب من الشيطان، وإن الذكر يدمره، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ» أخرجه أبو داود. وفي رواية الترمذي «ألا وإنّ الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما رأيتم حمرة عينيه، وانتفاخ أوداجه».
ولذا فإنه يجب على الإنسان ألا يدفعه غضبه إلى الغفلة، عن ذكر الله ولا البعد عن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من نار».
ولذا فإنه يجب على الإنسان ألا يدفعه غضبه إلى الغفلة عن ذكر الله ولا البعد عن المنهج الذي رسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، في علاج الأثر النفسي الذي يقود إلى أعمال لا تحمد عقباها، إذا لم يوفّق الله المرء ليمسك زمام نفسه.
فمن كان نفسه بالغضب وسرعته، يجب عليه أن يلتمس في توجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يريح القلب، ويطفئ الغضب، وقد أوردنا نماذج من ذلك، على سبيل الاستدلال لا الحصر بما يشفي ويرد الغضب.
ومن كان يعرف في نفسه سوء الخلق، والتعجل في الحكم على الأمور، فإن في صيدلية الإسلام وتعاليم الدين وما شرع رسول الله بأن يروّض نفسه على الرضا والتماس المعاذير للناس، حتى لا يغلب على طبائعهم، أو يطغى سوء الخلق على بعض الطباع، فيغفلون عن الواجب، وليأخذ كل فرد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، القدوة الصالحة عندما يغضبون، فإنهم يكظمون غيظهم، ويعفون عن الناس، ويحسنون إلى من أساء إليهم، كما قال الله عزَّ وجلَّ من قائل {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران الآية134). والتعجّل في الحكم على الأمور، أن يروّض نفسه، على الرضا والتماس المعاذير للناس، حتى لا يغلبه غضبه، أو يطغى عليه سوء خلقه، فيغفل عن الواجب في حسن المعاملة للناس، وإحسان الخلق معهم، وليأخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته الأخيار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين القدوة الصالحة عندما يغضبون فإنهم يكظمون غيظهم ويعفون عن الناس ويحسنون إلى من أساء لهم كما قال الله سبحانه {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران الآية134).
ففي صيدلية الإسلام الأدوية، فهي ليست عقاقير ذات أثر ملموس، ونتائج لا تحمد عقباها ولكنها علاج يريح القلوب، ويطمئن الفؤاد، ذلك أن القرآن الكريم فيه شفاء لما في الصدور، وعلاج لكل مؤثّر، يطرأ على النفس البشرية، فمن في قلبه مرض من أمراض الشبهات والشهوات، ومن تتأثر أحاسيسه بالغضب الذي قد يعرف مبعثه، وقد يكون بدون سبب، فإن في كتاب الله عزَّ وجلَّ وفي سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التوجيه والقدوة العملية الصالحة، ما يزيل آثار تلك الشهوات والشبهات، وما يمحو الباطل الذي ارتكس في وجدان الإنسان من آثار الغضب، حيث تزول آثار مرض الشبهة، المفسدة للعمل والتصور والإدراك، بحيث ترى الأشياء على ما هي عليه يقول ابن تيمية - رحمه الله- في كتاب «أمراض القلوب وشفاؤها» «في كتاب الله من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والقصص التي فيها عبرة، ما يوجب صلاح القلب، فيرغب القلب فيما ينفعه، ويرغب عمَّا يضره، فيبقى القلب، محباً للرشاد مبغضاً للغي، بعد أن كان مريداً للغيّ، مبغضاً للرشاد، فالقرآن مزيل للأمراض ومزيل للأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة حتى يصلح القلب فتصلح إرادته، ويعود إلى فطرته، التي فُطر عليها كما يعود البدن إلى الحال الطبيعي، ويتغذّى القلب من الإيمان، والقرآن بما يزكّيه ويؤيّده كما يفتدى البدن بما ينمّيه، ويقوّمه، فإن زكاة القلب، مثل نماء البدن (كتاب أمراض القلوب لابن تيمية ص16).