تنكر آيات الله في كتابه العزيز عن أخبث حيوان على وجه الأرض، إذ جاء ذكره في التحريم مقروناً ومؤكداً بالحرمة أربع مرات في القرآن الكريم، ومسخ الله أمة تعمدت عصيان الله سبحانه: عتواً ونفوراً، على هيئة هذا الحيوان القذر، بما فيه من مساوئ: خلقة وطبعاً،
وقذارة ونجاسة: إنه (الخنزير)، وهو أحقر حيوان على وجه الأرض؛ حيث إن عيسى عليه السلام أول ما يأتي في آخر الزمان: يجدد رسالة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ويقتل الخنزير، وهذا الحيوان، قد كتب عنه كثيراً في كل مرة يظهر فيها هذا الوباء، ويموت به مجموعة من الناس في كل مكان، بل في كل فترة، يكشف العلم الحديث آفة من الآفات مرتبطة بالخنزير، لتكون عبرة وتأكيداً لنجاسته وقذارته، فهذه الحمى، أو ما تسمى: إنفلونزا الخنازير) تأتي بين حين وآخر، ولها ضحايا يعدون بالملايين كلما هجمت على المجتمعات وأفزعت أهلها إنها يجب أن تحدث في قلوب المسلمين الهمة باللجوء إلى الله: استغفار وتوبة لأنها تذكرة وعبرة، ومن آيات الله التي تحرك القلوب لترعوي للحق والتوبة من الذنوب.
ولذا يحسن بنا الحديث عن بعض العلل التي تمر بالإنسان من نتائج حدوث أوبئة الخنزير، ويأخذ منها تنبيهاً وإنذاراً كلما ظهرت أمامه، بسبب هذا الحيوان الخبيث.
وشباب الإسلام الذين تحوجهم الدراسة أو العمل إلى مغادرة بلادهم إلى بلاد الغرب، تعترضهم مشكلة الأكل الذي لا يستغني عنه الإنسان، خاصة وأن الغربيين يعتبرون الخنزير ومشتقاته جزءاً من طعامهم المهم، في جميع الوجبات ليلاً أو نهاراً.
بل إن من لم يرتبط بهذا الحيوان: تربية وتجارة، ولحماً وشحوماً، لا يستطيع التخلص من الأمراض المنتشرة والعديدة، بسبب هذا الحيوان الذي حرمه الله سبحانه، على بني إسرائيل قبلنا، ثم استمر التحريم والتشديد في ذلك في شريعة الإسلام، آخر الرسالات، وخاتمتها لما وراء هذا التحريم من مصالح فلا يستطيع التخلص من دهنه، الذي يدخل في جميع الأطعمة الخفيفة: كالبسكويت والخبز والمعجنات، ولرخصه وكثرته يقلى به كل شيء حتى البيض وغيرها، ولم تسلم منه الحلويات بأنواعها وأدوات التجميل والطبية حيث يدخل شحمه ودهنه في تركيباتها وما ذلك إلا لوفرته ورخصه يعاني منه المسلم المسافر، لتلك الديار حتى في وسائل النقل والفنادق وسائر المطاعم، وفي الوجبات السريعة، وفي الأدوية وغيرها.
ولئن كان اليهود: قد فرضوا على الجهات التي تصنع الأطعمة في ديار النصارى: أن يراعى إبراز التنبيه للمقادير الداخلة فيه، أو خلوه من (دهن الخنزير) أن تكتب على كل شيء نسبة ما فيه أو خلوه من دهن الخنزير، وهذا فيه مصلحة للمسلمين للحذر، وإن كانت غير مقصودة لذاتها، ولكن المسلمين المهتمين يأخذون بذلك وما ذلك إلا أن اليهود ممتنعون عن ذلك عقيدة أو التزاماً صحياً.
والمسلم، وخاصة السائح أو الطالب أو الجديد على السفر، ونزيل الفنادق ومرتاد المطاعم الذي لا مندوحة منها، يعاني الأمرين من هذه الناحية.. ومثل ذلك الوجبات التي تقدمها الرحلات الجوية للمسافرين.
فهذا الخنزير الذي حرمه الله - جلَّ وعلا- في أربع آيات كريمات من كتابه الكريم، وردت في أربع سور هي: البقرة، والمائدة، والأنعام، والنحل.
وإن من يقرأ هذه الآيات الكريمات ليدرك أن هذا التحريم المؤكد لم يأت عفوياً بل لمصلحة تعود على البشر سواء أدركوا هذا السر وراء التحريم في مفهومهم الحاضر أم لم يدركوا.
وإنما جاء بتأكيدات لفظية متعددة، والبلاغيون يقولون: الزيادة في تأكيد المبنى، زيادة في تمكين المعنى.. وسخّر الله العلم الحديث، ليكشف بين وقت وآخر مخاطر عظيمة في (الخنزير) على صحة الإنسان. وإذا أردنا مخاطبة الناس بما يدركون فإن الشبهة التي تلقى دائماً على أبناء المسلمين حول هذا الحيوان، والدفاع عنه، ترغيباً في أكله، يجابه بها كثير ممن ثقافتهم ضحلة واطلاعهم قاصر فإنه يقال لهم: إذا كنتم في دينكم الإسلامي قد حرمتم أكل الخنزير لأن منظره بشع، حيث لم تألفوه، أو لأنه يأكل القاذورات، أو لأنه غير موجود في بلادكم، أو لأنه فيه دود قد يضر؟؟!!.أو غير ذلك: يبررون بها استباحة ما حرمه الله حيث يجئ من تعصبهم: أن هذه الأمور: قد أمكن تخطيها بالحضارة والنظافة، والاهتمام بتربيته ورعايته، ونظافة الطعام الذي يقدم في حظيرته العالية الجودة: تنظيفاً وتهيئة وإعداداً وملاحظة.
والطبخ الجيد يميت الجرثومة المزعومة في لحمه، إلى غير ذلك من التعليلات، التي يجابه بها بعض أبناء المسلمين في نقاش يراد به جذبهم إلى جانب المدافعين عما وقعوا فيه.
وسيد قطب - رحمه الله- ممن زار بلاد الغرب، وأدرك أو قرأ كثيراً من المجادلات، حول الخنزير في تحريمه وأضراره، وتعرض لجانب من ذلك في الظلال، عندما مر بتفسير الآية (173) من سورة البقرة، فقال:فأما الخنزير فيجادل فيه الآن قوم، والخنزير بذاته منفر للطبع النظيف القويم، ومع هذا فقد حرمه الله سبحانه، منذ ذلك الأمد الطويل، ليكشف علم الناس، منذ قليل: أن في لحمه ودمه وأمعائه دودة شديدة الخطورة (الدودة الشريطية، وبويضاتها المتكيسة) وأعقب ذلك بقوله: (ثم يقول الآن قوم: إن وسائل الطهو الحديثة، قد تقدمت فلم تعد هذه الديدان وبويضاتها مصدر خطر، لأن إبادتها مضمونة بالحرارة العالية، التي توفرها وسائل الطهو الحديثة وينسى هؤلاء القوم أن علمهم قد احتاج إلى قرون طويلة، ليكشف آفة واحدة، فمن الذي يجزم بأنه ليس هناك آفات أخرى، في لحم الخنزير ولم يكشف عنها بعد؟ أفلا تستحق الشريعة الإسلامية التي سبقت هذا العلم البشري بعشرات القرون أن نثق بها؟ وندع كلمة الفصل لها، ونحرم ما حرمته ونحلل ما حللته، وهي من لدن حكيم خبير) أ.هـ.
ونقول: إن ما ذكره سيد قطب تحقق بعضه وعلم الله أوسع وحكمته بالغة، فالخنزير، كما يقول العارفون به يتأصل فيه خصال لا يتركها، مهما كانت الحالة وهي:
1 - لا يترك أكل وشرب القاذورات، والجيف مهما أعتني به، ومهما روعيت حظائره من نظافة؛ سواء في المكان الذي يقيم فيه، أو الطعام المقدم له، فإذا لم يجد شيئاً أكل قاذورات نفسه.
2 - لديه نزعة الافتراس للأطفال من البشر، كلما سنحت الفرصة، إذ طالما سمعنا وقرأنا في ديارهم عن اعتداءات الخنازير على الأولاد وأكلهم والتحرش بالنساء، وهذه نزعة لا تكون إلا من أخس الحيوانات، وخاصة المفترسة منها.
3 - عديم الغيرة: فهو الحيوان الوحيد الذي ينزو على أمه بدون مواربة.
4 - وكل يوم يخرج عن وكالات إعلامهم، ما يرد عليهم حول أضرار هذا الحيوان النجس فقد نشرت جريدة الشرق الأوسط (كأنموذج فقط) نقلاً عن وكالة (كونا) هذا القول: اكتشف العلماء الكنديون، أن لحم الخنزير الذي حرم الله- في شريعة الإسلام- أكله يسبب مرضاً قاتلاً هو تليف الكبد.
وقال هؤلاء العلماء في آخر عدد من نشرة: (لا نسيت الطبية البريطانية): إن استهلاك لحم الخنزير في (16) دولة جرى الفحص فيها، يترابط بشدة مع حالات المرض المذكور، وأضافوا أنه في الحالات التي كان فيها استهلاك لحم الخنزير، مرتبط باستهلاك الكحول المحرمة لدى المسلمين، أصبحت نتائج التلازم مذهلة.
وقد أعد هؤلاء العلماء رسماً بيانياً يقارن بين حالات الوفاة السنوية نتيجة مرض تليف الكبد بين كل (100) ألف شخص، مقابل عدد اللترات من الكحول المستهلكة سنوياً، مضروباً بعدد الكيلو جرامات المستهلكة من لحم الخنزير سنوياً، وتبين أنه كلما زاد الاستهلاك، ازداد عدد الوفيات بمرض تليف الكبد.
وجاءت فرنسا التي تستهلك أكبر نسبة من لحم الخنزير في المقدمة، إذ بلغت نسبة عدد الوفيات الناجمة عن تليف الكبد فيها (30) حالة سنوياً، بينما بلغت في (فلندا) التي تعتبر أقل مستهلك حوالي ثلاث وفيات سنوياً وأشار العلماء: إلى أن هامش الخطأ في هذا الرسم البياني هو ألف إلى واحد.
واختتم العلماء تقريرهم بعجزهم عن معرفة الطريقة التي يسبب فيها لحم الخنزير مرض تليف الكبد. أ.هـ.
هذا ما ذكرته صحيفة الشرق الأوسط في أحد أعدادها في العام المنصرم، وكما ذكر سيد قطب رحمه الله: فمن ذال الذي يجزم بأن ليس هناك آفات أخرى، في لحم الخنزير ولم يكشف عنها بعد؟!
وتأكيدا لهذا الأمر فقد وصلني قبل فترة كتاب صغير في حجمه، قليل في ورقاته، التي لا تزيد عن (37) صفحة لكنه مليء بإعطائه معلومات، عما تكشف من أسرار في تحريم الخنزير في الإسلام: لحماً وشحماً وتربية.
ومن ذلك استمد المؤلف: الدكتور: فاروق مساهل، اسم الكتاب، وبعد أن قرأته توقعت من دراسته وتفهم محتوياته، وتحليله أن المؤلف: طبيب متمكن في تخصصه. حيث استرعى انتباهي أن المؤلف: ذكر عشرين مرضاً يتسبب الخنزير في إصابة الإنسان بها أغلبها من خصوصيات الخنزير وتعاطيه.
أما الباقي فإنه يشترك مع الخنزير فيها حيوانات مخلوقات أخرى.. وهذا كاف في تحديد خطورة الخنزير وقذارته، وما يجلب للجنس البشري من مصائب وآفات، وقد يكون الخنزير هو المسبب الأول لتلك الأمراض.
وسأذكر باختصار الحالات التي بسبب الخنزير وتجلب الأضرار الصحية للإنسان، وسأصرف عن الجانب الآخر الذي يشترك في الضرر ضد الإنسان مع الخنزير جهات وحيوانات أخرى، وهي متيسرة لمن يرغبها في كتب الطب، وتزاد مع الأيام الحالتين، التي تتكشف عنها الجهود العلمية في المصائب والأضرار، التي يسببها الخنزير لبني آدم، ومع هذا فبعضهم: في غيهم سادرون، والله سبحانه لا يحرم شيئاً، وينهي عنه إلا لحكمة ومصلحة علمت أو لم تعلم.
(يتبع)