لا تستطيع قناة فوكس نيوز الأمريكية البث أو إرسال التقارير الإخبارية من بريطانيا، فقناة فوكس نيوز من القنوات المحظورة حسب النظام البريطاني. فبريطانيا تصنف فوكس نيوز على أنها قناة تفتقد المصداقية، وفي حظرها تبرئة للحكومة البريطانية من مسئولية تضليل المواطن البريطاني. وعدم مصداقية فوكس نيوز ليس في نقل الأخبار بالطبع، ولكن في طريقة عرضها وفي البرامج الحوارية. ففي طريقة العرض مجال واسع لتحريف الخبر أو تعظيمه أو تهميشه وتقليله. والبرامج الحوارية هناك في القنوات الغربية المعتبرة تعتمد على تحليل الأخبار، فيستطيعون من خلال التحليلات تحريف الخبر والتأثير على المشاهد. (فهناك في الغرب، في الإعلام المعتبر، لا مجال للكذب الصريح كما هو عند العرب. فعندنا قد يكذب الضيف والمقدم ولا يبالي ولا تتأثر مصداقيته. وأما هناك، فتبعية كذبه تكون مكلفة جدا عليه وعلى جماعته التي ينتمي إليها ماديا ومعنويا).
وقناة فوكس نيوز، كذلك، معروفة في أمريكا بهذا التوجه غير الموضوعي، ولا ينكر ذلك متابعوها، في الغالب. (وهذه عادة المحافظين في كل ثقافة، يدركون كذب اطروحاتهم ولكنهم لا يبالون).
فهل تضررت فوكس نيوز بحظرها في بريطانيا أو بسمعتها المشكوك فيها في أمريكا؟ وللإجابة فسنجد أن قناة فوكس نيوز تحتل (بين القنوات الإخبارية) المرتبة الأعلى في نسبة المتابعين، وهي تحافظ على هذه المرتبة منذ سنوات طويلة، بل وتبعد بمراحل عما بعدها. فمتابعوها تتجاوز أعدادهم متابعي قناة السي إن إن وقناة إم إس إن بي سي مجتمعين. كما أن أكثر برنامج مشاهدة هو برنامج أو رالي العنصري، الذي تعرضه قناة فوكس نيوز.
وأعتقد أن غلبة فوكس نيوز في عدد المتابعين عائد لمجموعة أسباب منها: أنها تمثل الجمهوريين وهي منفردة في اتجاهها الإخباري بلا منافس، فجذبت أعين جميع المحافظين والجمهوريين. بينما تقاسمت القنوات المعتدلة التي تمثل الديمقراطيين كـ»سي إن إن» و»إم إس إن بي سي» بقية المشاهدين. فلو اندمجت القناتان أو تركت إحداهما الساحة فلربما تخسر قناة فوكس نيوز المرتبة الأولى التي تتمتع بها. ومن الأسباب، أن قناة فوكس نيوز أقرب للإثارة بحواراتها العنصرية، والعامة تستهويهم مثل هذه البرامج.
كثرة المتابعين ليست دليلا على جودة أو أهمية المُتابع. وفي تويتر أكبر شاهد على هذا. فمتابعو راقص أو راقصة أو ممثل إباحي، أكثر من متابعي رئيس أمريكا ووزير الخارجية الأمريكي، بأضعاف مضاعفة. ولكن بالنسبة للقنوات الإخبارية، هل كمية المتابعين أم نوعيتهم هو الهدف المهم للقناة لإعلامية؟ في الواقع، يجب أولا أن ندرك بأن الذين يتابعون قنوات الأخبار بالجملة في الواقع شريحة بسيطة. فالغالبية تتابع القنوات المحلية وقنوات التسلية، كقنوات الأفلام والمسلسلات. ولو تأملنا الذين يتابعون الأخبار في أمريكا لوجدناهم صنفين: المتقاعدون من كبار السن، والنخبة الفكرية. والفرق بين الصنفين مهم. فرأي الأول وقراره لا يتعداه، وأما الثاني وهم النخب الفكرية فهم من يؤثرون في مجتمعاتهم وفي من حولهم، فهم متابعون ذوو أهمية استراتيجية لأن أثرهم يتعداهم إلى غيرهم. وأغلب متابعي قناة فوكس ليسوا من هذا الصنف، أي ليسوا من صنف النخب الفكرية.
قناة الجزيرة نسخة مكررة من فوكس نيوز، فهي منفردة في العالم العربي بهجومها على جميع الدول باستثناء قطر، ( واستثنائها لقطر من الهجوم لا يؤثر عند مشاهديها، لأن قطر ليس لها ثقل حقيقي). وكل ما أتيت به عن فوكس نيوز يقال -بالجملة- عن الجزيرة مع بعض الاختلافات الشكلية. ولكن من أهم هذه الاختلافات، انه نظرا لخطاب الجزيرة الإثاري، فإن كثيرا من متابعي الجزيرة في العالم العربي هم من المحرومين والأشقياء والتعساء، ليس لمصداقية الخطاب ولكن لتلاعبه بعواطفهم، تماما كصيحات الشيوعيين وغيرهم التي فعلت فعلها في المحرومين والتعساء، وحتى في المسلمين الذين جعلوا الاسلام اشتراكيا، آنذاك. وهذا الجمهور ليس كجمهور فوكس نيوز من المتقاعدين. فهذه الشريحة من جمهور الجزيرة هم وقود الفتن، الذي يتلاعب بهم السياسيون ومثيرو الفتن والشغب. ونلاحظ أنه من بين القنوات الاخبارية العربية المعتبرة، فإن الجزيرة هي القناة الإخبارية الوحيدة التي أدخلت الخطاب الديني ضمن نغمتها الإعلامية لتتلاعب به بعواطف المحرومين والعوام.
والجزيرة قد سبقت فوكس نيوز في الشهرة، فقد حصلت الجزيرة على المركز الخامس عالمياً في الشهرة أو الإدراك. (recognition). وشهرتها هذه لم تحصل عليها بسبب كثرة مشاهديها في العالم- فهي لم تحقق أي نجاح حتى الآن في العالم الغربي- ولكن بسبب شتمها على أعلى المستويات العالمية، وفي أهم الخطابات الدولية والإقليمية. كشتم بوش لها في خطاباته المهمة وكذلك شتائم رمزفيلد لها. وفي القنوات الاخبارية العالمية، ستجد قناة الجزيرة في موضع التهمة والشتيمة، لأنها لم تترك بلدا من بلاد العالم إلا وأغضبته على حد تعبير مراسل راديو إن بي أر.
والزبدة التي أريد أن أصل اليها بعد هذا هو أن سياسة الهجوم على الجزيرة لن تنفع بل ستزيدها شهرة. ويجب أن نغتنم الفرصة الآن. فالجزيرة تهدم اليوم كثيرا من مصداقيتها التي زرعتها عند اتباعها بسبب موقفها المنحاز في مصر بعد إطاحة مرسي، فحبذا لو نتجاهل الجزيرة ولا نشهرها أكثر من ذلك، ونبذل الجهد ونصرفه في الوصول إلى هذه الشريحة من المحرومين والبؤساء من الشارع العربي والتي تهيمن عليها الجزيرة باستخدامها النفس الديني وفي اتباعها لأسلوب الصعاليك (الصعاليك: شجعان من العرب كان يسرقون من الأغنياء ويعطون الفقراء، كروبن هود). هذه الشريحة اليوم وغدا هي الشريحة المهمة للخطاب الإعلامي العربي، فهم شريحة ضعيفة ويسهل التلاعب بها لما يواجهونه من ظلم وفقر غالبا، فهم وقود الفتنة لكل خبيث ومجرم مُسعر للفتن. والحلول كثيرة والأساليب أكثر ولكن نحتاج إلى من يحمل الهم.