الاستقالة التلقائية!

في عالم مقدمي الخدمات ومشرفيها من مديرين، ومَن في حكمهم، تُعتبر (الاستقالة التلقائية) هي الحل. فعند اكتشاف فضيحة أو فساد إداري أو مالي في الوزارة أو الإدارة يتحمل المدير المسؤولية كاملة عن هذا الخلل أمام رؤسائه ومجتمعه؛ وتصبح استقالته (أمراً حتمياً) غرباً، وحلماً عربياً، ومستحيلاً خليجياً، وضرباً من الخيال السعودي!

فلم نسمع - على حد علمي - أن مديراً أو مسؤولاً كبيراً قدَّم استقالته احتراماً لنفسه أولاً، ثم تقديراً للأمانة التي أُلقيت على عاتقه، بتحمله المسؤولية تجاه القصور الذي تم اكتشافه، أو الفساد الذي ضُبط، رغم أن البرامج التلفزيونية والصحف التي باتت تتمتع بهامش أكبر من (حرية الطرح والنقد) في عهد خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - توافينا بشكل مستمر بكشف حقائق وأخطاء في الخدمات التي تُقدَّم من قِبل بعض الإدارات والوزارات، لكن المسؤول يبرر، أو يهدد بمحاسبة الناشر، أو (يطنش) اعتقاداً منه أن هذه الأصوات (غير مسموعة)!

نحن نثق بأن كل مسؤول مُخفق سيجد من يحاسبه، بوجود أجهزة رقابية، ولا نشك في أن هناك من هو أعلى من هذا المسؤول، ويهتم بأمر المواطنين وحاجياتهم؛ ما قد يعرِّض هذا المسؤول للإقالة قبل الاستقالة، لكننا نتساءل: لماذا لا يبادر أحد من هؤلاء باحترام نفسه أمام التاريخ والمجتمع بتقديم استقالته لعدم قدرته على التطوير أكثر أو حل المشاكل التي يواجهها؟!

ثقافة تحمل المسؤولية والاعتراف بالخطأ تكاد تكون معدومة في تربيتنا؛ فقليل جداً من يملك الشجاعة ويقف أمام (الرأي العام) ليعترف بالخطأ، وطلب فرصة للتصحيح ببرنامج عملي لذلك، أو يقدِّم استقالته، ويترك الفرصة لغيره من كفاءات الوطن!

نحن نتحدث عن أخطاء يتم نشرها، وقصور في الخدمة لم نستطع علاجه.

بينما هذه الثقافة معيارها أعلى عند البعض. بالأمس أعلن (كولين ماثيوز) المدير التنفيذي لمطار هيثرو البريطاني الاستقالة فور الانتهاء من مشروع تطوير مبنى الركاب؛ والسبب أن (مطار دبي) تفوق على (مطار هيثرو)، وأخذ منه زعامة مطارات العالم بعدد الركاب ومعدلات النمو في الفترة التشغيلية لبداية العام الحالي!

صحيح أن (كولين) هذا أعلن نيته الاستقالة عشرات المرات سابقاً، ولم يفعل، لكن المبادرة على الأقل أفضل من السكوت، وهي الثقافة التي نتمنى رؤيتها لدى مسؤولينا!

وعلى دروب الخير نلتقي.