في عامة علاقات الناس، وتعاملهم، وتبادل أدوارهم، من يضع المعايير، وكيف تأخذ وضعها في التنفيذ، ومتى تطبق، وما ميزانها، وما قيمها..، وحجمها، وسعتها، وحدودها، وقيودها بل تفاصيلها..؟
فالمعايير مصطلح من حيث ينبئ بدقته، وعدالته، إلا أنه غدا مطاطاً يُفصَّل كما الثياب لا تلتصق بجسد لابسها إلا ليكون مدار سخرية، وتخرصات، وأحكام، وسلطت عليها العيون نقداً، وانسحب عنها من يريد لها الفضفضة...!! فالثياب الفضفاضة غطاء لما يراد له الستر..!
ومع أن كل من يتحدث يفخم كلماته، ويضخم أهمية معرفته بهذا المصطلح «المعايير»، ويوحي بمسطرتها الحادة كالمعايير الخلقية، ومعايير التفوق، ومعايير الشهرة، ومعايير المنهج، واذهب ما شئت في توصيف المنهج المضاف إليها: منهج الفكر، ومنهج الدرس، ومنهج الكتابة، ومنهج النشر، ومنهج السلوك، ومنهج التقييم، ومنهج التقويم -ليس التعليمي هنا-، ومنهج القبول، ومنهج الرفض...، ومنهج التمكين، ومنهج التعتيم..الخ..
بينما هو استخدام تمويهي فلا معايير البتة لكل ما يحدث في الحياة العامة، والمواقف عند نوْل نتائج تطبيق معايير الاستحقاق، والمحصلة، والحقيقة..حين يُسلب من المستحق ما لا يتيحه له المتلاعب بالمعايير.. سواء في دوائر العمل، أو مجالات الرأي بأساليب انحيازات الميول، والمصالح، والرغبات الخاصة.. تلك التي هيمنت على السطح العام في سلوك التفاعل..!
الله تعالى وضع الموازين، وحدد الأقساط، وترك الأرزاق بيده، ولم يحصر الأرزاق في المال، بل في كل أمر بما فيها من العافية، والصفات، والسمات، والبنين،.. وعدل سبحانه في تقسيم أرزاقه بمعيار دقيق لا يميز فيه بين خلقه، فيما يعطي ثم فيما يكافئ عند عمل المرء بما أعطاه، وكيف سخر هذا المرء عطايا ربه فيما وضع من معايير العمل وموازين الاجتهاد..، وأوفى سبحانه حتى لمن أوغل في خطئه ودرأه بتوبة، لم تختل موازين عدله تعالى، ..وبقيت معايير الخلق الإلهي ثابتة لا تختل نواميسها في كونه العظيم..
غير أن معايير البشر تصنف حسب مشيئتهم، وتقاس حسب رغائبهم ..، ولا ينجو من المتساهلين بالمعايير إلا من يقعون في دائرة إعجابهم، أو مصالحهم، أو انتمائهم...!
فكم من ذي حق ينبذ، ومن عاطل يُرفع..!!
فالمعايير مصطلح مطاطي..، يتأرجح مع الحالة الوجدانية في البشر، تلك التي تشكلها الأهواء، والميول، والحاجة، والمنفعة، والحالة..!
لذا لا تستقر صفحة أديم نقي تحت الأقدام ولا في فضاء النظر..!
فلا تصدق كل من حولك، ولا تحكم بمعايير من يقول لك..
بل حكِّم معيارَ الله في العمل..، وزن رأيك بالحق..، وانج بعدالة هذا المعيار عند الحكم على رأي..، أو عمل..، أو شخص..، فقد تغلبت الدنيا على الناس..!!
فاللهم «لا تجعلها أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا» ..
ونجنا من غلبة معاييرها، وكفة ميزانها..!!