مما مرَّ من عبارات قبل يومين: « عش مع الناس كمحتاج يتواضع لهم، وكمستغن يحسن إليهم، وكمسؤول يدافع عنهم، وكطبيب يشفق عليهم، ولا تعش معهم كذئب يأكل من لحومهم، وكثعلب يمكر بعقولهم، وكلص ينتظر غفلتهم»، وتجاوزاً إلى المعنى ودلالاته في هذه العبارات، فإنها خلاصة تلمح إلى وضع البشر في علاقاتهم الراهنة، التي في إيقاع الحياة تكشف عن مسار هذه العلاقات، وعن واقع الروابط بين الناس، كأنما هي تعيد منظومة ما ينتج عن «الغاية تبرر الوسيلة»، إلى «الصراع من أجل البقاء»..
مع أن الصراع من أجل البقاء يمكن أن يكون صراعاً سلمياً، تنافسياً راقياً، منتجاً، لا لحوم تؤكل فيه، ولا أكتاف تنهش من أجله، ولا ظهور تنقض لترتفع غيرها، ولا خراباً، وخيبات تتشظى معها أوتاد، أو تنزاح معها أصول..!!
لماذا الناس الآن أقبلت على النصيحة، وأمعنت في التصحيح، واندفعت وراء التوجيه..؟!
وشاعت المباشرة، والإمعان في هذا النهج التعبيري..؟!
كذلك كثر المنظرون في الشأن السلوكي، وتعددت مصادر الإصلاح النفسي للفرد، وللجماعة، وشكا الفرد غربتَه، ونعت المخيلةُ مُثُلَها، وفضائلها...
لماذا أيها الإنسان في صراعك مع البقاء تنهك هدوءك، وتنحر سلامك..؟
إلى أين ستؤول، وإلامَ ستفضي، ونحو أين ستتجه..؟
فنظرة إلى ما تبثه عبارات الصغير، والكبير، الخبير، والناشئ، الأديب، والإعلامي، الطالب، والباحث، المرأة، والرجل، بلغة سليمة بليغة، أو متهافتة ضعيفة، فإنك ترجع من تلك النظرة بحصاد وفير من النصح، والتنبيه، والتوجيه، والرجاء، والتمني، والطلب، والحسرة، والأمل، بل الحلم البعيد..
ولن يغيب في شيء منها النهي، والأمر، والوعظ، والتذكير، والترهيب، والترغيب..
وهناك من رمى بحمله، وناء بفكره، وقلبه نحو المَعين الذي لا ينفد، فشكل عباراته دعاءً، وذكراً..
وإنك لتجد كل عبارة يكتبونها يسأل الإنسانُ فيها سلاماً للإنسان، وهدوءاً لحياته، وحياة من يحيون الحياة معه..!!
وتعود لتسأل: لماذا يغترب الإنسان، وهو إما ينشد ما يفتقد، أو يبحث عما افتقد..!