تزداد أهمية التضافر الجمعي لمكافحة العديد من الأدواء، وفي مقدمتها «المخدرات»..، وهي قضية إدارة مستقلة تابعة لوزارة الداخلية، منذ عقود من السنين، وقبل أن يستفحل الأمر، تمتد أيدٍ في الظلام لنشرها بين الصغار، والكبار، على أنها كانت في نطاق ضيق إلا أن هذه الإدارة تتصدى لها مذ ذاك..غير أن أمر المخدرات وأنواعها وتأثيرها استفحل وزاد، ومعه زادت معاناة الأهل، والمصحات إلى جانب معاناة إدارة المكافحة، والأمن،..
فالمخدرات غدت ظاهرة، ووراء هذه القضية نوايا..
ونسم فعل هذه النوايا بما يكرر في المحافل، والإعلام « بخطر داهم يريدنا بشر، وهلاك «..، فمن الذي وراء هذا الخطر..؟ ومن الذي يريد بنا شراً؟، ومن الذي يحاربنا به داخل بيوتنا، وفي منعطفات شوارعنا، ويوصله في وضح النهار لأبنائنا في مدارسهم..؟
إنه طمع الثراء في نفوس هي من نفوسنا، تغط في خدرها بمكاسب فانية بعدم الإحساس بالمسؤولية، وبضعف الإيمان، وبتهالك البنية الدينية، والخلقية، وبشرٍّ يقظٍ فيها يفتك بقيم الأمانة، والخشية، وبظلمة تقضي على ضميرها...
المروّجون هم هؤلاء الذين يطمعون، ولا يشعرون، وتغط ضمائرهم في نعيم إغواء الربح، ولمعة التكسّب، هم الذين يصدون عن أبواب الرب، ويكرون في المجتمع بهذه الحرب... هم منا وفينا..،
أمراضنا داخلية تنهش في جسد مجتمعنا، تسهل بطمعها دخول، وانتشار المخدرات..
داود الشريان، بعفويته، وحماسه، ليلة البارحة، استطاع في برنامج المكاشفات، والمواجهات التلفازي، «الثامنة»، أن يأخذ الجميع إلى البؤر، وإلى البيوت، إلى قلب الأم الراجف، والزوجة المعذبة النازف، والأهل الملوعين من ابن، وولي، وجار، وإلى عابث متسيب في شارع..، وطبيب يعالج ويعجز، ومسؤول يتقاعس ويهمل..،.. عوامل تتضافر، والمحاربين بالداء يتخفُّون في ظلامهم وظلمهم..!!
داوود الشريان، بكل التحية الصادقة له أخذنا إلى المصحات وعجزها، إلى عوامل قصورها، وضعف إمكاناتها..، إلى المدارس، وخطورة بيئتها، وإلى الصحب وعواقب رفقتهم..،
من كل ذلك تذكرت ما كانت تفعله إدارة مكافحة المخدرات من نحو ثلاثة عقود -وحتى الآن - حين كانت تدعو كل ذي معرفة، وثقافة، ووعي من النساء، والرجال لإلقاء محاضرات توعية، وندوات مكافحة عامة بين الرجال، وبين النساء، وفي السجون، وعلى منابر لقاءات في المدارس، وفي الجامعات، أذكر في أكثر من موقف من هذا كنتُ فيه المحاضِرة، وفي إحدى محاضراتي بدائرة مكافحة المخدرات عن قيم التربية، وأهمية التنشئة الدينية، والأخلاقية في تأسيس دعامات الضمير، والإحساس محورا النجاة في الإنسان من صغائره، وضعفه، سألتني إحداهن ببراءة: «أيمكن أن نتوقّع انتشار المخدرات في مجتمعنا ونحن مجتمع دين وأخلاق» وهي تصر على أنها لا تتوقّع وترفض أن نتوقّع..!!... لا يزال صوتها في مخيلة ذاكرتي، وهي تصر على براءة المجتمع «حتى يوم الدين» كما قالت من التلوث بهذا الداء..، وكانت تجد في مثل هذه المحاضرات مبالغة، وتعتقد هي وغيرها بأنها أخطاء محصورة في قلة من الناس حين تُقام عليها عقوبة الحد الشرعي، أو التعزير النظامي سوف ترتدع..
ترى أينها الآن تلك السيدة ومَن معها..؟
ففي هذا اليوم، وقد استفحل أمر مرضى النفوس، والعقول بفعل داء المخدرات، وباتوا خطراً صارخاً في المجتمع، أعيد سؤالها بطريقة أخرى: ما الذي هز، وقوض هذه البنية المتينة في تربية وأخلاق الأفراد..؟ وجعل الصغار لقمة للمتكسبين النائمة ضمائرهم..؟
ما الذي لابد أن تفعله المؤسستان المدرسة، والبيت لتتضافرا مع المؤسسة الأمنية لتنقية مياه التنشئة والتربية تقوى وخلقاً..؟!
ألا يحتاج الأمر إلى الالتفات بوعي إلى خلل كبير اعترى المجتمع، وهو ضعف التنشئة الدينية الواعية، والصحيحة، والمكينة في كلتا المؤسستين ..، وينبغي منهما العمل، أو يكون التصدي بقوة إلى قصورهما..!؟
بلى والله..بلى..
وإنه المبتدأ.