اتصل بي صحافي عربي زميل فور صدور بيان الديوان الملكي المتضمن الأمر باختيار الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولي لولي العهد، سألني الزميل عن رأيي بالقرار، قلت له: بشرنا عبدالله بن عبدالعزيز باستقرار الدولة، أولاً لأن مقرن بن عبدالعزيز شخصية لا تملك إلا أن تحترمها ولا تستطيع أن تنفي أريحيتها وسحرها، وثانياً لأنه تعلم جيداً ومارس ما تعلمه،
وهو من الأمراء الذين عرفوا الشعب بكل ألوانه ومرجعياته الثقافية والقبلية والمناطقية، يعرف جيداً أحلام البسطاء ومشكلاتهم، ويعي الأهمية السياسية والاقتصادية لبلاده، ويدرك أن لا تقدم بلا علم، ولا قيمة للعلم بلا عمل.
تعرفون مقرن، ولا حاجة للتعريف والتوصيف، رجل يكره النفاق والمنافقين، ويمقت الوصوليين والمتزلفين، الأمير ليس نسخة من أحد، وهذا أمر يميزه، لا يقلد ولا يتشبه ولا يتصنع، أي أنه يتعامل بصفته مقرن الإنسان، فلا تطغى إمارته على إنسانيته، ولا ينقاد للصفة، بل كان وبقي الموصوف أكبر وأعظم من صفة، عرفت الأمير مقرن أمير منطقة، ولم يتغير عندما تعين رئيساً للاستخبارات، وعندما أعفي وعين مستشاراً ومبعوثاً لخادم الحرمين الشريفين، بقيت الابتسامة وبقي الصدق والصفاء في روحه، هذا هو مقرن عندما عين نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، بل اقترب أكثر وحرص على تخصيص وقت أكبر لمقابلة المواطنين ولو كان ذلك على حساب راحته والوقت المخصص للعائلة الصغيرة، اليوم وغداً ودائماً بالمناصب ومن دونها يبقى مقرن رجلا لا ينظر للمنصب كما ينظر إليه الآخرون.
ربما لا تسعد الأمير مقرن كلمة مبروك بقدر ما تسعده كلمة أعانك الله، الفرحة بالثقة لا يوازيها إلا الهم الثقيل، ومن يقيس السلطة بالمسؤوليات والا لتزامات والهموم مثل الأمير مقرن، مختلف تماماً عن أشخاص آخرين ربما يقيسون السلطة بالنفوذ والسطوة والمكاسب. لم يأت ثالثاً في ترتيب حكم السعودية الكبيرة بتاريخها واقتصادها ومرجعيتها الدينية والثقافية ومكانتها السياسية لأنه فقط ابن الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- بل لأنه بالإضافة إلى ذلك اجتهد في مسيرته العلمية والعملية، وارتقى في سيرته عن كل ما يعكر صفوها، ويكدر نقاءها.
ربما لا يعرف كثيرون مدى العلاقة الأسرية التي تربطه بإخوانه وأبنائه وأحفاده، مع إخوانه هو المحبوب نظراً لأخلاقه الرفيعة، واحترامه للكبير، ووفائه وهو من أحرص الأمراء على صلة الرحم وتقارب الأسرة وتلاقيها باستمرار، وهذا من الأمور التي تشرح صدره وتريحه، أما الأبناء والأحفاد فلهم من وقته نصيب كبير، فالأبناء أصدقاؤه المقربون إلى قلبه، يسعد بالجلوس معهم باستمرار، ولا أحد منهم يتأخر عن موعد الجلسة العائلية، والسعادة تكتمل بلقاء الأحفاد ومشاهدتهم يمرحون حوله، والضحك على تعليقاتهم وتصرفاتهم البريئة.
اهتمام الأمير مقرن بالعلوم والتقنية ملفت للنظر، ربما تعجب عندما تحضر جلساته، تجده يتحدث عن المقناص والطيور والصحراء بكل تفاصيلها والهوايات المرتبطة بها ويبهرك بالمعرفة الدقيقة في هذه الأمور، ويعجبك كلامه في السياسة كعلم وفن، وعندما يحلل بذهن متقد تظهر متابعته الدقيقة لكل المستجدات، ويجذبك عندما يتحدث عن هوياته الأثيرة «الزراعة» نعم الزراعة، التي عشقها وأخلص في عشقه، يزرع ويحصد بيده، بل لم يكتف بذلك بل أصبح باحثاً متبحراً في هذا المجال، وأسس مكتبة زراعية علمية متخصصة، وهو أيضاً لا يقل علماً عن المتخصصين في مجال الفلك، ولديه مكتبة ضخمة في هذا المجال.
عندما تسأل مقرن بن عبدالعزيز وهو الطيار الذي ما زال يعشق الطيران رغم أن الظروف العملية أبعدته عنه قليلاً، لماذا أحببت الزراعة والطيران؟!
سيجيبك بإجابة تعكس الكثير عنه قائلاً: لأنهما الهوايتان اللتان لا تعرفان النفاق، فالطائرة لا تنافق قائدها، إذا لم تعمل جيداً في الطائرة ولم تحسب كل شيء بدقة ربما تدفع حياتك ثمناً ولن تجاملك كونك أميراً أو غيره، وكذلك الزراعة، إذا لم تعتن بما زرعت لن يثمر زرعك أو سيهلك ولن يجامل زارعه مهما كان.
نبارك للأمير مقرن ونبارك للأسرة المالكة الواحدة المتوحدة خلف الملك عبدالله بن عبدالعزيز والأمير سلمان بن عبدالعزيز والأمير مقرن بن عبدالعزيز، والمباركة للشعب الذي فرح وشكر لملكه النبيل هديته الكبيرة.