بعد سقوط مدينة «يبرود» المهمة والتي تبعد كيلومترات قليلة من لبنان، طرح كثير من المحللين سؤالاً فيه كثير من الحزن والحسرة، ماذا لو انتصر الأسد على معارضيه وبقي في سدة الحكم، وفرض بالأمر الواقع سطوته وسلطته وبطشه على المدن والقرى والبلدات؟
ورغم أنه سيحكم دولة مفككة ومرهقة نصف سكانها يبكي على النصف الآخر، الجريح والمهجر والقتيل،
إلا أنه سيستشعر في داخله القوة التي ستشحنها حليفته إيران، التي هندست هلالها الماكر جغرافياً واستراتيجياً، وللأسف ربما تنجح في تحقيق مبتغاها وما تسعى إليه، والسبب كما هو واضح المعارضة السورية، الرخوة، والمتناحرة، والغير مستشعرة للمسؤولية، والتي باعت دماء وتضحيات الشعب السوري، ومعها أيضاً الموقف الغربي الغير مسؤول والذي جعل المنطقة مهيأة لإرهاب جديد برعاية أميريكية هذه المرة!
أميركا التي ربما لن يهمها كثيراً من سينتصر في المواجهة الإقليمية المستعرة في سوريا، لأنها ستكون في صف المنتصر، والقادر على تحقيق مصالحها وضمان أمن إمدادات الطاقة، والقادر على التأثير لصالحها في منطقة لا تريد أميركا أن تخسرها، وهذا ليس أمراً ساراً، لدول الخليج ما عدا قطر وعُمان، لأن التحالف الخليجي السعودي الإماراتي البحريني الكويتي، بدأ يستشعر انعدام الثقة في الجانب الأميريكي، وبدأ يلحظ تحركات تخالف النهج السياسي الأميريكي، فالسياسة الأميريكية ببساطة باتت أقرب إلى مداهنة قوى التطرف على حساب قوى الاعتدال، ومعيار القوة التي تفضل أميركا الانحياز لها كما يبدو في سياسة أوباما، القوة الراديكالية والقوة المتسترة بالدين، ففي الجانب السني تفضل الولايات المتحدة التعامل مع الإخوان، وفي الجانب الشيعي التقرب من إيران الدينية المتطرفة.
واستراتيجية أوباما في المنطقة خطيرة للغاية، والتقرب للأعداء ليس دائماً يؤدي إلى مصلحة خصوصاً عندما تفقد حلفاء أساسيين لهم قوتهم وتأثيرهم وعلاقاتهم ومصالحهم في مواقع مختلفة حول العالم، ويدركون جيداً معنى الصداقة والحلف والتعاون، ويضعون صداقتهم العريقة في الأولوية دائماً، لكن تقابلهم إدارة الرئيس أوباما بابتسامة ليست صافية، وتنسيق كامل مع إيران التي تهدد الأمن والسلام الدوليين بفجاجة يعبر عنها سياسيوها وقادتها بلا رادع.
التحالف الخليجي لا يعتبر إيران عدواً حقيقياً، وبذات الوقت لا يثق بها، وخصوصاً السعودية التي تعرضت لكثير من المواقف التي أثبتت عدم احترام إيران لأمنها وسلامة أراضيها ولمصالحها في كل مكان في العالم، إضافة للتحركات الإقليمية المشبوهة لهذه الدولة، وعملها الاستخباري المنظم لتقويض أمن المنطقة، والاستئثار بالقوة والتأثير.
والثورة السورية اعتبرتها إيران «مباراة خروج المغلوب» بمعنى أنها مواجهة إقليمية، تحدد استمرارية الخطة الإيرانية بالسيطرة الكاملة والمحكمة على الشمال العربي، أو التنحي جانباً لصالح السعودية ومن يمثلون خط الاعتدال، وهذه المواجهة التي تستخدم فيها إيران أسلحة نوعية وزجت فيها قوات بشرية مدربة، اتخذت أسلوب الأرض المحروقة، واتخذت القمع الدموي، وسيلة لإثبات القوة والسطوة، أمام العزّل والمسلحين بأسلحة بدائية، من المنشقين عن جيش النظام، الذي حملوا السلاح لحماية أهلهم وليس للمواجهة وإثبات الوجود، ولم تذهب الدول التي دعمت الثورة إلى ما ذهبت إليه إيران باستخدام طرق غير أخلاقية وإنسانية.
أمريكا عليها أن تنظر للأمور بمنظار مختلف، فالتطرف الذي ترعاه إدارتها الحالية يخيفنا، وتحليلها للموقف في المنطقة يرعبنا، ويبدو أنها تعتمد على آراء وأفكار ينقصها الفهم العميق لواقع الأمور، ولخلفيات من يتولون السلطة خصوصاً في إيران، على أمريكا أن تعلم بأن بقاء الأسد تسبب بظهور جماعات إرهابية أعادت للقاعدة شيئاً من الروح، وهذا يمثل خطراً داهماً، وبقاء الأسد لن يجعل لبنان في أمان، والخليج سيحاولون إشعاله بكل الطرق الممكنة.
على مراكز القرار في منطقتنا إدراك الخطر، وعلى المعارضة السورية التمسك بالفرصة الأخيرة لتوحيد صفوفها، وترك المنتفعين واللصوص، وأصحاب الأطماع ومن يمكن تسميتهم بالخونة، وأذكر أن جهاد المقدسي المتحدث السابق باسم وزارة خارجية النظام السوري قال: «الأسد انتهى لكنه يشتري الوقت». وأنا أعتقد أن من يبيعه الوقت، المعارضة السورية المفككة والمترهلة، ولنفكر قليلاً بما يمكن أن تحمله الأيام القادمة، وأن نعرف كيف ومتى يكون الخروج الاستراتيجي حتمياً.