لا شك أن العمل على تحسين صورة قبيحة سيستغرق وقتاً، وجهداً، ويجعلك تبحث عن قالب جديد مثالي تقولب به الشخصية أو المؤسسة أو الدولة، في إطار تحسين الصورة الذهنية، لكن ماذا لو كانت الصورة حسنة، وجيدة، ولكنها غير ظاهرة ومعرضة دائماً للظلم والذم المكذوب، أو المبني على خيالات ومزاعم؟!
في السعودية ينطبق علينا المثال الثاني، صورة حسنة متوارية، لا يراها إلا عددٌ قليل من الناس، والبقية لا يعلمون، ليس في الخارج فقط، ولكن حتى هنا في الداخل السعودي لدينا مشكلة في تقديم الحكومة لنفسها.. نعم السعوديون لا يعرفون دولتهم التي تضمهم، ولا يدرك عددٌ ليس بقليل منهم حجم حكومتهم، وهذا يجعلنا لا نستطيع أن نقدم أنفسنا بشكل جيد للخارج.
وأعتقد أن قلة إدراك البعض لحجم بلاده، سببه «التحبيط» الممنهج الذي يمارسه فريق ممن لهم مصلحة في ضرب مصداقية الدولة، وتحطيم هيبة الحكومة، وهو بالتأكيد لتحقيق هدف بعيد، بينما الحقائق لو ظهرت وفهم الناس ما يجري ستختلف الصورة كلياً، فالقلة البسيطة ذات الصوت الأعلى مجتمعياً عملت على تشكيك البسطاء وحتى المثقفين بأن للشارع مزاجاً آخر ويجب أن تُسمعه ما يطربه، لا ما يتوافق مع قناعاتك أو رؤيتك المبنية على معرفة بالحقيقة، وفي هذه الحالة ينجح أصحاب أجندات «التحبيط» في إشاعة الإحباط، وفي إبقاء الصورة الحقيقية للدولة والمجتمع مموهة وغير واضحة ومتوارية أحياناً.
في الخارج على سبيل المثال تقدم السعودية دعماً كبيراً يفوق باقي الدول في مجالات إنسانية وتنموية كثيرة، لكنها تعمل بصمت، ولا تستفيد سياسياً في الغالب، وهذا يعكس ضعف الديبلوماسية العامة أو الديبلوماسية الشعبية، ولا تمكّن «القوة الذكية» حسب التعبير السياسي الأميريكي «Smart Power» من إحداث نوع من التأثير الإيجابي المعاون للديبلوماسية الرسمية، وربما يعكس ذلك أخلاقيات المؤسسة الرسمية في البلاد التي ترفض استخدام المعونات في الشأن السياسي بشكل مباشر، وهنا لا أقول اتبعوا المساعدات بالمنّة والمصلحة، ولكن تذكّروا أمراً تعرفونه جيداً أن التأثير السياسي للمعونات وللتشارك في الشؤون الدينية الثقافية والرياضية والفنية والاجتماعية، له دور هام وملموس في تغيير الواقع لصالح الدولة صاحبة المبادرات.
لعلنا نتذكر النجاح الأميريكي في هذا المجال عندما انطلقت أميركا لتحسين صورتها في عام 2003 عندما أنشأت الإدارة الأمريكية لجنة متخصصة برئاسة خبيرة العلاقات الدولية شارلوت بيرز لتحسين صورة الولايات المتحدة واعتماد خطة علاقات عامة تستهدف المنطقة العربية والإسلامية، ومن ثم قدمت كارين هيوز مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الدبلوماسية العامة عام 2005 تصورها لأهداف الدبلوماسية الشعبية لواشنطن خلال السنوات العشر القادمة في المنطقة.. وهنا نتحدث عن دولة لا تتمتع بصورة جيدة نظراً لشعور كثير من العرب والمسلمين أنها لا تتحرك بشكل يخدمهم في القضية الفلسطينية التي تُعتبر القضية المركزية المزعجة في المنطقة، إلا أنها استطاعت أن تنفذ خارطة طريق ناجحة إلى حد كبير للخروج من مأزق تردي العلاقات الشعبية بين واشنطن والعرب والمسلمين.
نحن اليوم لدينا قوة ناعمة تتمثّل في طلاب يتجاوز عددهم 160 ألف طالب منتشرين في أكثر دول العالم تأثيراً وعلى رأسها الولايات المتحدة، يجب أن نسأل أنفسنا سؤالاً مهماً، كيف سيخدم هؤلاء الشباب والشابات الديبلوماسية الشعبية للمملكة العربية السعودية؟.. وهل يعرف هؤلاء بالتحديد حجم بلدهم وتاريخه وثقافته وسياساته المتوازنة؟.. وهل يستطيعون التعبير عن هذا البلد بشكل سليم عند الآخرين؟
على الجهات المختصة في المملكة وهي بلا شك تعي وتدرك أهمية «الاتصال» كعلم له دوره السياسي والأمني، أن تراجع نفسها وأن تراعي أهمية مجاراة التطور الهائل وارتفاع سقف الحرية الذي حصل في البلاد خلال عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - وفقه الله -، ويقابله ارتفاع حنق وحقد أطراف معادية لها من ينفذ أجنداتها في الداخل، ويتطلب ذلك التعامل بأسلوب مختلف والتواصل مع المجتمع لإظهار الصورة الحقيقية، وإنهاء تأثير من يحاولون إشاعة الإحباط باختلاق الأكاذيب تارة أو تزوير الرأي العام، للوصول إلى أهدافهم،، وأعتقد أننا بلا إعلام يعي التحديات لن نصل إلى المراد لتحقيق الهدف الوطني بإظهار الصورة الحقيقية التي ستهزم تزييفهم ومزاعمهم وكذبهم.