القرار الملفت الذي اتخذته ثلاث دول خليجية صباح الأربعاء 5-3-2014 بسحب سفرائها من الدوحة، يجعلنا نعيد البحث في أصل المشكلات التي بدأت ولم تنته، بل تتزايد وتتسع رقعتها. نحن أمام انفجار مدوٍّ، بعد عتب خجول في القاعات المغلقة، ويبدو أن الغضب ضاقت به غرف القصور، وظهر العتب إلى العلن، في إجراء غير مسبوق، خصوصاً من دول لم يُعرف عنها التسرع أو النفس القصير، بل عرفنا عنها الصبر
والتعقل والحكمة المبالغ بها أحياناً، وعمل حسابات دقيقة وبعيدة المدى قبل اتخاذ أيّ قرار من أيّ نوع، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بدولة خليجية جارة.
سألت أحد المقربين من مطبخ السياسة الخارجية السعودية عن رأيه فيما تم ومسبباته.. قال لي: لا أستطيع التحدث عن معلومات لا أملك حق التصريح بها، ولكن ما حدث كان يجب أن يحدث فالحقائق صاعقة!.. قلت له: لم أفهم،، قال: عندما تكون في بيتك آمناً مطمئناً ويسكن بجانبك شقيقك ولديه مفاتيح بيتك، وتأتي عصابة لسرقة بيتك وتكتشف بأن أخاك هو من فتح لهم باب بيتك وأبلغهم عن المكان الذي تحفظ فيه نقودك وحاجياتك الثمينة، كيف سيكون موقفكَ؟! بالتأكيد سيكون غضبك على أخيك المتآمر عليك أكثر من غضبك على أيّ شخص آخر يريد الإضرار بك.
عرفت قطر وأهلها الكرام عن قرب عندما زرتها مرتين في مهام عمل، والتقيت في الزيارتين شخصيات قطرية وشخصيات عربية تقيم هناك، ولم أجد من الأشقاء القطريين إلا المحبة والتقدير.. ولعل كلمات بعضهم لا تزال عالقة في ذهني بعد تنازل الشيخ حمد بن خليفة وتولي الشيخ تميم مقاليد الحكم في قطر، قال أحدهم وهو من كبار الكتّاب والصحافيين: انتظروا قطر الجديدة.. استغربت منه هذا الكلام خصوصاً أنه أحد الأقلام التي جندت نفسها للدفاع عن مايسترو السياسة القطرية حمد بن جاسم.. نعم كان الزميل القطري يعلم بأن قطر مع الشيخ تميم ستبتعد عن الأجندة السابقة، لا أقول أنه سيقود تغييراً دراماتيكياً سريعاً، ولكن على الأقل ستكون العلاقة مع الخليج دافئة جداً.
ماذا تغير؟.. وهل معلومة الصحافي القطري المقرّب من «البلاط الأميري» خاطئة؟.. أو هناك مستجدات غيرت الاتجاه؟.. لكن المستجدات التي طرأت تتمثل في قيام الثورة الشعبية ضد حكم (الإخوان المسلمون) في مصر، وعزل الرئيس الإخواني المدعوم من قطر، فالربيع العربي الذي رعته دولة قطر سقط، والجماعة التي تبنتها قطر حوصرت، والأموال التي أنفقتها قطر لم وربما لن تجني أرباحها!.. كل هذه الأمور جعلت قطر في حالة سياسية غير مستقرة، وإضافة لذلك فقدت قطر الثقة خليجياً لأنها متورطة بحسب معلومات أمنية بمساعدة جماعات وأفراد لهز الأمن في السعودية والإمارات وكذلك البحرين، وهذه ممارسات ليست جديدة ولكنها أصبحت أكثر إزعاجاً وتأثيراً عندما بدأت تستشعر مخاطرها هذه الدول على أرض الواقع، وفقدت قطر الثقة عربياً عندما غضبت منها مصر وأكثرية الشعب في تونس وأيضاً ليبيا وبلدان عربية أخرى اعتبرت قطر معول هدم وتخريب.
عملت قطر طوال السنوات الماضية على مسارات متناقضة، لتكون حاضرة ومؤثرة، تجدها نصيرة القومية العربية، وتحتضن الإخوان المسلمين وأفكارهم، وتزعم بأنها الحاضنة لدعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب، وأنها في ذات الوقت نصيرة التحرر العربي، ومركز المقاومة ضد إسرائيل، وبذات الوقت تقيم علاقات وتنسيق مع الإسرائيليين، وأنها أيضاً نصيرة الشيعة العرب، والمقربة من حزب الله، كل هذه الأدوار وغيرها لعبتها قطر في الفترة الماضية، في سياسة زئبقية متناقضة ورغبة في تحقيق أهداف خيالية وبعيدة لا تناسب حجمها السياسي والجغرافي.
لن أتحدث عن المعلومات التي تتهم قطر بإضرارها في الأمن الوطني السعودي والإماراتي والبحريني، وهذا ليس دورنا في الصحافة، خصوصاً بأن هذه المعلومات لا تصدر إلا عن الأجهزة السيادية التي فضلت عدم الكشف عن هذه المعلومات في الوقت الراهن، ولكني أتحدث عن حقائق ظاهرة وسياسات نرى آثارها، ولا يمكن التغاضي عنها.