وأنا أقرأ تصريحات عضوة مجلس الشورى الدكتورة موضي الدغيثر، تبادر إلى ذهني سؤال محوري، هل انتهت كل قضايانا لتطرق الدكتورة موضي باب الأيتام ذوي الاحتياجات الخاصة وتضيّق عليّهم، لتأتي بتوصيتها وتصبح هي مع الظروف ضدهم؟ ألا تعتقد الدكتورة موضي أن هؤلاء الأيتام فيهم ما يكفيهم، وأن من حقهم ما لم يجدوا من يفتح أبوابه لهم ويمنحهم الحب والحنان الدائم، أن يجدوه ولو مؤقتًا من خلال برامج الأسر الصديقة، التي تسمح لبعض الأسر الباحثة عن الخير أن تستضيف أحد الأيتام أياماً معينة خلال الأسبوع أو الشهر أو حسب ظروفهم؟! لماذا الدكتورة موضي منزعجة من خروج الأيتام من دور الإيواء إلى بيوت يتعلمون فيها معنى الأسرة، ويمارسون -ولو مؤقتًا- حياة الأسرة التي حرمتهم الظروف الكسيحة منها؟! ما الذي أوصل الدكتورة موضي إلى هذه الدرجة من تصحّر المشاعر تجاه فئة ضعيفة وعوا على الدنيا دون حضن أم ولا رعاية أب، فوجدوا أنفسهم في دور رعاية الأيتام فيها تتشابه عليهم، وتختنق أرواحهم بظلمة الوحدة، وفقد أركان الحياة الأساسية؟!
برنامج الأسر الصديقة هو من أكثر البرامج الناجحة التي قدمتها وزارة الشؤون الاجتماعية لخدمة الأيتام ذوي الاحتياجات الخاصة، وكنت أتطلع من الدكتورة موضي أن تنادي بتوصيتها إلى نشر ثقافة الأسر الصديقة، وحث الناس على المشاركة في هذه البرامج بدلاً من إلغائها. غريبة فعلاً هذه التوصية والأغرب منها أن تصدر عن امرأة في هذا الموقع، وبالطبع ودون أن أعرفها هي بالنهاية أم، والأم يُفترض بها أن تملك الحس العالي والمرهف تجاه الطفولة، وإن لم تكن أم، فكل أنثى من وجهة نظري هي أم لأنها تملك غريزة الأمومة.
أنا شخصيًا كان لي تجربة مع برنامج الأسرة الصديقة، وقد استضفت قبل سنوات في وقت فراغي أحد الأيتام بمنزلي لفترة من الوقت، كان وضع ذلك الطفل مؤلمًا للغاية، كان منذ أن يراني يلتصق بي طوال المدة التي يقضيها بمنزلي، وكان وقتها عمره لا يتجاوز الأربع سنوات، كان يبحث عن أمه في كل امرأة، فوجئت به ذات مرة وأنا نائمة أن وجدته على حافة السرير يتأملني، لم أكن أعرف ما الذي يدور في جمجته الصغيرة وقتها، لكنني متأكدة أنه كان يطرح عشرات الأسئلة في داخله، ولو كانت ظروفي العملية والعائلية تسمح لي بالاستمرار في المشاركة ببرنامج الأسر الصديقة لما توقفت، لكن الدكتورة موضي تريد إيقاف هذه المشاعر وإن كانت مؤقتة عن أطفال هم بأمسّ الحاجة لها! أضف إلى هذا أن اختلاط الأيتام بالأسر يمنحهم مفهوم العائلة المفقود في حياتهم، ويحفزهم مستقبلاً على تكوين هذه العائلة.
إن ارتفاع أو انخفاض الشعور الإنساني يختلف من شخص لآخر، إلا أنه يظل ميزة يمنحها الله -عز وجل- للمرأة، ويهبها إياها في تكوينها السيكولوجي والنفسي، لذا ليت الدكتورة موضي تتفكر ولو قليلاً في قوله تعالى: (وأما اليتيم فلا تقهر).