انتظرنا طويلاً صدور الأمر الملكي الذي يقضي بمعاقبة كل من يشارك في القتال بالخارج، أو ينتمي إلى الجماعات الفكرية والدينية المتطرفة، أو المُصنفة داخليًا أو إقليميًا أو دوليًا كمنظمات إرهابية.. انتظرنا هذا القرار خصوصًا بعد الفوضى الفكرية التي أحدثها الربيع العربي، وأنا هنا لست بصدد الحديث عن فكر متجرّد عن النشاط الحركي، فمثلاً الشخص الذي يؤمن بأفكار حزب متطرف هو حر في هذا طالما أن هذه الأفكار غير مصحوبة بأنشطة تحريضية قولاً أو فعلاً.
هذا القرار، وكل قرار بحاجة إلى لائحة تنفيذية لتوضيح آلية العمل به، وذلك حتى لا نفقد الشعور بعدم تفعيل القرارات، كما حدث في وقت سابق عندما صدر القرار الخاص باقتصار الفتوى على هيئة كبار العلماء، مع ذلك، لم يتم تفعيل هذا القرار، بدليل أن كثيرا وأشباه الدعاة ما زالوا يتجرأون على الفتوى، بل إن -بعضهم- يستخدمها للنيل من سمعة المملكة، وما نراه من تهكّم علينا عبر الصحافة الغربية إلا أنموذجًا حيًا لما أقول، فلا يمر ما بين وقت وآخر إلا ونقرأ عن فتوى مضحكة، والمؤلم أنها تأتي تحت عنوان: (شيخ أو داعية أو عالم دين سعودي) وهو في واقعه لا يمت إلى المشيخة بصلة وبعيد عن العلم وأصوله.
أيضًا، هذا القرار بحاجة إلى إشراك المواطن، كما تمت مشاركته في التبليغ عن الإرهابيين، فهذه المشاركة ستزيد من نسبة الوعي بين المواطنين في معرفة الحزبيين والحركيين، حيث إن مشكلة المواطن السعودي إلى اليوم عدم قدرته على التمييز ومعرفة الأشخاص المنتمين لهذه الأحزاب المتطرفة، وللأسف يتم استغلاله أسوأ استغلال وغالبًا باسم الدين، ليكون أحد العوامل الحركية في تنفيذ هذه الأجندات المغرضة.
هذا القرار سيُحدث توازنا ما بين الحرب الأمنية على الإرهاب ومكافحة الفكر الإرهابي، حيث عانينا طوال السنوات الماضية من افتقاد التوازن وعدم تكافؤ الكفتين، كما أنه سيُوقف هذه الفوضى العارمة عند حدها، فما نراه ونقرأه ونسمعه من -بعض- المنتمين لهذه التيارات المتطرفة موجع، والمؤلم أكثر هو تزايد أعداد مريدي هؤلاء الأشخاص، وتأثر فئة معينة من البسطاء بأفكارهم، ما خلق شوشرة مجتمعية فكرية، وزاد من نسبة الجهل بأهداف هذه الجماعات التي زُرعت بيننا من أهلنا وبني جلدتنا من ينفذ أجنداتهم ويؤدي فرائضهم على أكمل وجه.
ما نحتاجه بعد هذا القرار، هو إيقاف هذه الفئة الغوغائية عند حدها، وتقديمهم للمحاكمة وهذا أبسط حقوق الوطن على من يعقّه وينثر بذور الفتنة على أرضه. هذه المحاكمات هي رد بليغ على كل من يحسب هؤلاء على المملكة، على أن تظهر على العلن وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ومتوافقة مع العهود الدولية التي أقرت منع ومحاربة وقمع الإرهاب، وجسامة العقوبات المقررة بما يتوافق مع جسامة الفعل.
موقنة أنا أن هذه القضية ليست بسيطة، لذا فإن التحديات القانونية يجب أن تكون حاسمة في هذه المرحلة وسلاح الإرهاب لن يُثنى إلا بسلاح العدالة!