أستغرب وأنا أقرأ في عدد من التقارير الصحافية النقاش الدائر في مجلس الشورى، حول النسب العالية للبرومات المسرطنة الموجودة في بعض أنواع مياه الشرب، حيث تبيّن أن نسبتها تصل إلى 32%، مع ذلك فإن هذه العبوات ما زالت تُباع في الأسواق والمحلات، وتُشرب، وتمتلئ بها بيوتنا وثلاجاتنا، وإن كان كانت التحذيرات قد وصلت لي وعرفت أسماء هذه المصانع وأنواع المياه المسرطنة، فهي لم تصل إلى غيري، فليس جميع الناس يقرؤون الصحف، أو يتابعون جلسات الشورى!
أعتقد أن الأمر خطير جدًا على صحتنا وصحة أطفالنا، والتهاون في مواجهته أو التقليل من خطورته، هو دعم لهذه المصانع التي تعبث بأرواحنا، وأستغرب من عدم اتخاذ أي إجراءات ضد هذه المصانع، وعدم مصادرة هذه المياه إلى اليوم!
تتكاثر الأمراض في مجتمعنا، ونقف حائرين أمام الأسباب، ونحن لا نعلم أن كثيرًا من الأسباب لا يمكننا تحاشيها أو حتى معرفتها، مثل ما يحدث الآن في وجود هذه المواد في مياه الشرب، فالمستهلك يذهب إلى السوبرماركت ويشتري السلعة وهو واثق من سلامتها لأن هناك جهات معنية بفحصها ومعرفة تفاصيل مكوناتها، في حين ترك السلع المشبوهة والمشبعة بالمواد الضارة على رفوف المحلات دون رادع، فهذا الأمر هو من أكبر الجرائم المباشرة في حق المستهلك، والمسؤول عن هذا يستحق المحاسبة العلنية دون تراخٍ أو مجاملة.
بحسب بحثي عن مادة البرومات الموجودة في عدد من أنواع المياه التي نشربها، وجدت أن هناك قرارًا صادرًا قبل حوالي خمس سنوات، يقتضي بوجود حد أقصى لهذه المادة التي تستخدم في تعقيم مياه الشرب، هذا القرار أتى بناء على اقتراح مقدم من هيئة الغذاء والدواء، مع ذلك لم تلتزم به جميع مصانع المياه، فلماذا هذه المصانع التي لم تستجب لهذا القرار مفتوحة إلى الآن؟ ولماذا لا تُغلق بالشمع الأحمر ويمتثل أصحابها للمحاكمة والتشهير؟
إن الماء ليس من المواد التي نتناولها في مواسم معينة، أو أن البعض فقط هو من يستخدمها مثل بعض السلع الأخرى، الماء مادة أساسية لحياتنا نعيش عليها بصفة يومية، وتناولنا اليومي لهذه المواد المسرطنة هو حالة من الانتحار غير المباشر، وإدخال الإنسان في حالة الأمراض المزمنة ومواجهته لمرض السرطان والفشل الكلوي، بل إن معدل الإصابة بهذه الأمراض مرتفع جدًا حيث وجدت في بعض مواقع الصحة العالمية أنه تبين إصابة شخص من بين 10 آلاف جراء شرب المياه الملوثة بالبرومات، وهذه نسبة عالية جدًا جدًا!
الحقوق الصحية للإنسان والمحافظة عليها وردت في كافة المواثيق والصكوك الدولية، وتوفير الدولة لكافة السبل الوقائية التي من الممكن أن تتسبب في اعتلال صحة الإنسان، والحقوق الصحية الأساسية التي توفرها الدولة ومن بينها الجهات الرقابية التي تكفل لنا الأغذية الآمنة، ومياه الشرب المأمونة، والتوعية والوقاية من كل ما يساهم في جلب الضرر على الصحة، ويخلق في المجتمع أمراضًا كان بالإمكان تداركها، لكننا تراخينا وغضضنا الطرف عنها، والنتيجة كل يوم مريض جديد، وكل يوم سرطانات وأورام وإصابات جديدة، ويموت الناس شهداء -بإذن الله- بسبب برومات مصانع المياه!