في يوم الاثنين 16 - 5 - 1435هـ تم الإعلان في الصحافة السعودية عن القبض على ثمانمائة وتسعة وأربعين شخصاً تورطوا في تهريب وترويج مخدرات بأكثر من مليارين وثلاثة وتسعين مليون ريال.
المقبوض عليهم في هذا الخبر الواحد قرابة ألف شخص، وأسعار المخدرات بالمليارات، وهذا غيض من فيض.
المتوقع أن الغيض هو من وما يتم القبض عليه من آن لآخر، أما الفيض فهو ما يبقى تحت الأرض، داخل وخارج الحدود.
السؤال المؤرق هو كم يوجد من هذا الفيض من المساعدين والمروجين داخل المدارس والجامعات ومحطات الوقود وخدمات غيار الزيوت والفنادق والمطاعم واستراحات الطرق، وما هي الأعداد التي تمت برمجتها من أبناء وبنات المجتمع لنقل الآفة إلى المنازل، ما هي أعداد الفتيان والفتيات التي تم تخريب عقولهم وأعراضهم بالمخدرات وهدم بيوت أسرهم بهذه الطريقة.
جميع أنواع الوعظ، الديني والسياسي والأبوي، لم ولن تقدم مساهمات كافية في تحصين المجتمعات.
الحصانة الاجتماعية ليست تحصيل حاصل لاجتهادات المجتمعات الفطرية التقليدية، ولم تكن كذلك عبر التاريخ.
الضامن الأفضل والأجود لحصانة المجتمعات والدول كان دائماً وجود فوائد ومصالح يتشارك فيها الناس تحت مظلة قانون عادل، بحيث يسهل التوافق على الدفاع عنها.
وجود فوارق كبيرة في اقتسام الحصص لا تخضع لمعايير المنطق، يقدم أول حجر هش في البنية الاجتماعية، ومنه يحصل الاختراق.
نعرف أن السيل يقتحم المبنى من خلال أضعف حجر فيه، فينتشر في منخفضات الداخل ليفيض منها نحو الأعلى، ثم يهدم المبنى بكامله. نفس الظاهرة تحدث تكراراًً في المجتمعات والدول.
الأحجار الهشة في هياكل الدول والمجتمعات هم الأفراد المهمشون والمهملون بسبب الافتراض المتضمن في الفكر الطبقي بعدم الحاجة إليهم وإمكانية السيطرة عليهم عند الحاجة.
أما المنخفضات التي يتراكم فيها السيل ويفيض نحو الأعلى فهي المكونات الطبقية التحتية في التراتبية الاجتماعية.
الطبقات التحتية، (معيشياًً ومعنوياً) سوف تحتوي بالضرورة على العدد الأكبر من الأحجار الهشة.
إذاً تكتمل عناصر الكارثة بوجود طبقية معيشية تحتية قد أهمل تحصينها بفرص الحياة الكريمة والعادلة، فأصبحت تحتوي على العدد الأكبر للأحجار الضعيفة، مقابل تجبر وجشع الطبقات القائمة فوقها.
عندما يواجه مجتمع بهذه المواصفات عدواًً أو أعداء يدمجون الدهاء مع المال والجنس والمخدرات، سوف يكون من الصعب على بعض الأحجار الهشة في القواعد التحتية أن تصمد وتقاوم، لمجرد أنه سبق تحصينها بالمواعظ الدينية والسياسية والأبوية.
يواجه المجتمع السعودي تحدياًً هائلاً من عدة دول في جواره المباشر ومن العمالة المستقدمة، تدمج الدهاء السياسي والاستخباراتي بالمال والجنس والمخدرات، لاختراق الأحجار الهشة في المجتمع، تمهيداً لهدم كامل المبنى.
هدير المواعظ على المنابر والفضائيات، مهما أسال من الدموع، وكذلك النجاحات الأمنية مهما كومت من أطنان المخدرات المصادرة، كل ذلك لن يقدم المستوى المطلوب لرفع المناعة والتحصين الاجتماعي ضد أعداء بهذه المواصفات.
المناعة ضد الاختراق الخارجي لا تحصل وتكتمل إلا باكتمال المناعة الداخلية، وهذه لا تحصل إلا بضمان العدالة الطبقية والتعامل مع العقول والحاجات قبل دغدغة العواطف والخصائص الفطرية.
الشؤون التعايشية تسير وفق قانون العلم والمنطق والإنتاج والمحاصصة العادلة، وما عدا ذلك يقع ضمن الأحجار الهشة.
الإرهاب المذهبي تحت ادعاءات التحصين الديني يقدم أوضح الأدلة.