الجزيرة - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
طرحت وزارة التجارة والصناعة منذ بضعة شهور ولأول مرة استبيانًا لقياس رضا المستهلكين عن وكالات السيَّارات، وهو يمثِّل أحد أكبر إمبراطوريات التجارة بالمملكة، فالسيَّارات ليست مُجرَّد منتج، ولكنها تمثِّل المنتج والسلعة الأعلى طلبًا على الإطلاق بالمملكة، التي تستهلك منها سنويًّا وبشكل متتالٍ عددًا كبيرًا ومذهلاً، لدرجة أن البعض يغيّر سيارته سنويًّا.. لذلك، فقد لامس قرار وزارة التجارة أحلام وتطلعات مئات الآلاف وربما ملايين المستهلكين للسيَّارات، والذين ظهرت لكثير منهم شكاوى ضد الوكيل أو الموزع لسيارته.. من هنا، فقد اهتم جمهور المستهلكين كثيرًا بهذا الاستبيان وكان هناك اهتمامٌ لافتٌ بنتائجه.
واردات السيَّارات أعلى من 50 مليار ريال سنويًا
يوجد هناك مؤشران على قدر كبير من الأَهمِّيّة للسيَّارات، الأول هو ضخامة حجم واردات السيَّارات السعوديَّة بمختلف أشكالها وموديلاتها، حتَّى إن حجم واردات السيَّارات وقطع غيارها بدأ يتجاوز حاجز الـ51 مليار ريال سنويًّا، وهو رقم متِّكرّر وغير منتهٍ، ويزداد من سنة لأخرى.
أما المؤشر الثاني، فهو أن عدد السيَّارات المسجلة بمناطق المملكة حتَّى نهاية 1432هـ بلغ حوالي 14.9 مليون سيارة، وهو رقم عالٍ ومرتفع للغاية، لأنّه لو تَمَّ تقسيم هذا العدد على عدد السكان المؤهل لقيادة السيَّارات، لاكتشفنا أن كل فرد يمتلك من 2-3 سيَّارات تقريبًا.
خصائص استبيان وزارة التجارة
أحد أهم المميزات للاستبيان التي تجعل من السهل الاقتناع بنتائجه، هو خصائصه الديموجرافية ومدى تمثيلها للمجتمع الحقيقي، حيث توزعت مفردات العينة على (13) منطقة من مناطق المملكة، بشكل عزا بها أن تكون النتائج ممثلة لكل مناطق المملكة تمثيلاً حقيقيًّا ومقبولاً.. أيضًا من حيث الوضع المهني، فقد شكّل موظفو القطاع الخاص بنسبة 39 في المئة، ثمَّ الموظفون الحكوميون بنسبة 33 في المئة، يليهم العسكريون بنسبة 11 في المئة، حتَّى الطلاب تمثّلوا بنسبة 11 في المئة في العينة..
أما من حيث المؤهل العلمي، فقد تمثّلت المؤهلات الجامعية بنسبة 71 في المئة، ثمَّ الثانوية بنسبة 15 في المئة، ونسبة 14 في المئة للدراسات العليا.. أيّ أن توزيع عينة المسح تعتبر أقرب ما تكون لتمثيل المجتمع الحقيقي للدراسة.
نتائج رضا المستهلكين عن وكالات السيَّارات
أولاً: الرضا عن أسعار السيَّارات
تشير نتائج الاستبيان إلى أن حالة من عدم الرضا عن أسعار السيَّارات، حيث تراوحت إجابات المستهلكين ما بين عدم الرضا التام والرضا إلى حدٍّ ما..
ومن اللافت أنّه لم يسجل المستهلكون أيّ حالة «راضي جدًا» عن أيّ وكالة من وكالات السيَّارات.. ويمكن بسهولة تفسير ذلك إلى احتكار هذه الوكالات لسوق السيَّارات، ووجود تنسيق غير مكتوب بينها في طرح أسعار السيَّارات للموديلات الجديدة على وجه التحديد. ويُعدُّ سوق السيَّارات المحلي بمثابة مملكة منقسمة على نفسها إلى جزر منفصلة ومستقلة ولا توجد بينها المنافسة المرجوة، بل إن كل وكيل يسيطر على سيارة من موديل أو شكل أو مواصفة مُعيَّنة لا ينافسه فيها أحد، ومن ثمَّ فهو المتحكم الرئيس في أسعارها وأسعار صيانتها وقطع غيارها، وكل ما يرتبط بها.
ثانيًّا: الرضا عن أسعار الصيانة
تشير نتائج الاستبيان إلى أن حالة من اللا رضا عن أسعار الصيانة بشكل يفوق عدم رضاهم عن أسعار السيَّارات نفسها.. بشكل يبرز أن الصيانة تمثِّل مشكلة جوهرية لمعظم المستهلكين.. ويرجع ذلك إلى أن التحكم والسيطرة للوكلاء في أسواق الصيانة يُعدُّ أقوى وأشد وطأة من تحكمهم في سعر السيارة نفسها.. لأن ارتفاع سعر السيارة من موديل معين، قد يدفع المستهلك للتوجه لسيارة أخرى من موديل آخر.. إلا أنّه بعد شرائه لهذه السيارة، فإنه قد أصبح في أيدي الوكيل بشكل تام، وليس أمامه إلا الارتباط به للصيانة، والا يمكن أن يواجه مصيرًا مجهولاً لسيارته التي لا يمكن إصلاحها أو شراء قطع غيارها إلا من هذا الوكيل.
ثالثًا: الرضا عن أداء الوكالات والموزعين
تشير نتائج الاستبيان إلى وجود حوالي 11.3 في المئة من المستهلكين هم الراضون فقط بالسوق المحلي.. في مقابل نسبة 61.0 في المئة من المستهلكين غير راضين عن أداء الوكالات والموزعين.. وهذه النتيجة بالتحديد تستحق الاهتمام، للبحث عن مسبباتها، وكيفية التَغَلُّب عليها.
وتشير نتائج التحليل إلى أن هناك 29 في المئة من البلاغات والشكاوى تنتج عن عدم التزام الوكالات والموزعين بالضمان، فضلاً عن 23 في المئة عدم التزام بالعقد، ونحو 23 في المئة أيضًا نتيجة عيوب تصنيع.
هذا الاستبيان يطرح مشكلة في غاية الأهمية، وهي مشكلة لسوق تصل قيمته إلى ما يزيد عن 100 مليار ريال، فإذا كان حجم واردات السيَّارات سنويًّا يصل إلى 51 مليار ريال، فإنَّ حجم مبيعات السوق المحلي قد تصل إلى ضعفي أو ثلاثة أو أربعة أضعاف هذه القيمة .. وخصوصًا أن هذا السوق يخضع لتسهيلات التأجير والتقسيط، وغيرها من التمويل الشخصي بالبنوك.. لذلك، فإنَّ تنظيم هذا السوق يُعدُّ أمرًا مهمًا للغاية.. وإذ تُعدُّ الخطوة الرئيسة لهذا التنظيم هي كسر حلقات الاحتكار الضيقة ما بين الوكلاء والموزعين، وفتح الأبواب لتعدد الوكلاء لنفس السيارة، أو على الأقل فتح الباب لتعدّد الوكلاء للسيارة من نوع معين ما بين المناطق، بحيث لا يجوز للوكيل العمل في أكثر من منطقة.. أو قصر وكالة الشركة على سيارة واحدة من نوع أو موديل واحد فقط.. كلّّها خيارات تستحق الدراسة والنظر.