يمثل معرض الرياض الدولي للكتاب تظاهرة ثقافية مهمة، تعيشها العاصمة على مدى 10 أيام متتالية، الذي يحفل بالعديد من الفعاليات على هامش المعرض، حيث لا يقتصر المعرض على عرض وبيع الكتب، وإنما هو فرصة لتقديم العديد من البرامج التي تنفذ جزءاً منها ـ الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة والإعلام المشرفة على المعرض، إضافة إلى العديد من الفعاليات التي تقيمها جهات أخرى ذات علاقة بالفعل الثقافي.
ولو أردنا التوقف عند بعض الملامح التي يتميز بها المعرض لوجدنا أنها تتلخص في ثلاث نقاط أساسية: الأمن والاستقرار والقوة الشرائية، ووقت إقامة المعرض، حيث ربما لا تتوافر هذه الامتيازات لدى بعض الدول الشقيقة بسبب ما تعيشه من صراعات، حتى أنها انعكست سلبا على مشاركة دور نشر مهمة من تلك الدول.
هذا العام تميز المعرض عن باقي السنوات الأخرى بالتعداد الكبير للزائرين الذين بلغوا ما يقارب مليون زائر خلال ستة أيام، ولم تظهر بعد باقي الإحصاءات عند كتابة المقال، وكانت هناك زيارات من جهات ووزارات رسمية في أوقات مختلفة أهمها طلاب المدارس والجامعات.
لكن المحور مثار النقاش الذي أثير في مجلس ثقافي جمعنا بعدد من الأصدقاء كان من أبرزهم الناشر الدكتور محمد المشوح، لدى أخيه خالد المشوح، وعدد من الكتاب والناشرين، يتركز في الإقبال المتزايد من قبل المواطنين والمقيمين على المعرض هذا العام على وجه الخصوص؛ الأمر الذي جعل الدكتور محمد المشوح يشبه المعرض بحديقة عامة بالنسبة للزوار، يعني ذلك أن هذا الكم من الزوار لا يقصد جميعهم شراء الكتب، لكنه بات متنفساً، وأشبه بنزهة لدى كثير من أبناء المجتمع، وأن كان هذا الطرح محقاً أو مجانباً للصواب لكنه يمثل من وجهة نظري ظاهرة إيجابية أن يعتاد أبناء المجتمع على زيارة مرفق ومحفل ثقافي كبير، وأن يتجولوا بين ردهات الكتب المتنوعة، ويلتقون في الوقت ذاته بعدد كبير من الكتاب والكاتبات، ونجوم الإعلام والصحافة والأدب، هذا بحد ذاته عامل جذب جيد لهؤلاء كي يقتربوا من الفعل الثقافي وكي يتم تجسير الهوة القائمة بين الفريقين ـ المثقف ـ بصفته صاحب رسالة، والمتلقي ـ مستقبل الرسالة الذي بات في عصر الإنترنت فاعلاً ومشاركاً.
اننا أمام تغير حقيقي في الفعل الثقافي، والمعرض يعد عاملاً مسانداً ومساعداً على تحقيق هذا التغيير والمشاركة فيه، فهم جنباً إلى جنب يسهمون في صناعة رسالة ثقافية ومعرفية تسعى إلى الارتقاء بالمجتمعات وأبنائها، وتسهم في رسو سفينة المعرفة وسط أرضية صلبة، قابلة للتجدد والتفاعل.
ما يدعو للتفاؤل في هذا الشأن، وجود الشباب من الجنسين، من صغار السن، الذين لم يتجاوزوا الخامسة والعشرين، منهم طلاب جامعات، وطلاب دراسات عليا، وحتى طلاب ثانوية عامة، ونحن في أمس الحاجة إلى تكريس الفعل الثقافي والمعرفي في نفوس هذا الجيل الذي يمثل الشريحة الأكبر في المجتمع السعودي، ووجود مهرجان بهذا الحجم ـ في صيغة معرض الكتاب ـ قادر على تحقيق الكثير في هذا الجانب.
ودعوني أتوقف هنا على النشاط الثقافي الذي يمثل رافدا حقيقيا للمعرض ويحوله من مجرد معرض كما أشرنا إلى كرنفال ثقافي كبير، يثار الجدل حول البرنامج الثقافي كل عام، وهذا العام على وجه التحديد لوحظ وجود مقاطعة، وعدم رضى عن البرنامج المعد، وكان على وكالة الشؤون الثقافية أن تسعى إلى تحقيق تطلعات المثقفين في هذا الجانب، لماذا تشكيل لجنة، اللجان دائماً تتسبب في عرقة العمل، وتؤدي إلى تقريب أسماء واستبعاد آخرين، وتتسبب في تقسيم حصص الفعاليات الثقافية بما يتناسب مع أهوائها وحتى ذائقتها.
هناك أندية أدبية في المملكة أشعر أن وكالة الشؤون الثقافية لا تهتم بها كثيراً، لماذا لم تقم الوكالة بتكليف هذه الأندية بإعداد برنامج ثقافي عام، وتدارسه مع الوكالة بحيث تكون الأندية فاعلاً حقيقياً في هذا الجانب خاصة وأن هذه رسالتها التي تؤديها للمجتمع، وهي طوال العام تقيم فعاليات ثقافية متنوعة، إلا تثق الوكالة في القائمين على هذه الأندية في هذا الجانب تحديداً للحد الذي أدى بهم إلى حشر الأندية كل في مساحة ضيقة جداً وفي جناح واحد مشترك لعرض إصداراتهم على الرغم من أنهم يملكون إصدارات متميزة، وقدموا عدداً كبيرا من الأسماء المهمة للوسط الثقافي.
هي تساؤلات يسعدني كثيراً لو وجدت صداها لدى القائمين على شأن وكالة الوزارة للشؤون الثقافية.